احمد عبدالباسط الرجوب
للمرة الأولى تحصل مواجهة من هذا النوع في الأراضي المحتلة عام 1948 (مستوطنات غلاف غزة)، ويتمّ تحرير جزء من هذه الأرض، وإذا كان اليوم تحريراً مؤقتاً فإنه سيكون في الجولة المقبلة تحريراً دائماً، وهذا هو بالفعل تغيير الخرائط الذي لن يُمحى على الإطلاق من أذهان المستوطنين ليس فقط في غلاف غزة بل على امتداد أرض فلسطين كلّ فلسطين ومن هنا نقول إنّ ما قبل 7 اكتوبر / تشرين الأول 2023 ليس كما بعده، لأنّ ما حدث ليس أمراً عادياً ولن يكون أمراً عابراً، بل هو إنجاز استثنائي لم يحصل مثله منذ نشوء دولة الكيان عام 1948، حيث كانت المواجهات تتركزّ في الأراضي المحتلة عام 1967 أو في دول الطوق المجاورة لفلسطين المحتلة (لبنان وسورية والأردن ومصر).. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بان الكيان الصهيوني قد انهزم في كل معاركة مع العرب منذ معركة الكرامة عام 1968 والى يومنا هذا..
سوف تظهر مؤشرات كثيرة تؤكد الحديث عن تغيير الخرائط، حيث نرى الضعف والوهن لدى دولة الكيان، قيادة وجيشاً ومستوطنين، إذ لم يكن قد مضى بضع ساعات على بدء عملية «طوفان الأقصى» حتى علا الصراخ الإسرائيلي في طلب النجدة من حلفاء الكيان ورعاته وداعميه، وهو فعلياً أكثر من طلب نجدة، إنه استغاثة العاجزين عن القيام بمفردهم بأيّ أمر، ولذلك نرى هذه الهستيريا المعادية ضدّ الأهداف المدنية، ونرى استهداف المواطنين الآمنين العُزّل، أطفالاً ونساء وشيوخاً… وهو ما تتعامى عن رؤيته دول العالم بأكثريتها الساحقة ومعها الإعلام بأغلبه الذي تجاهل أنّ دولة الاحتلال استهدفت الإعلاميين والمصوّرين في فلسطين ولبنان حيث ارتقى منهم شهداء نترحّم عليهم جميعاً، كما أصيب عدد آخر منهم بجروح ونتمنى لهم الشفاء العاجل.
في سابقة لا تتكرّر، اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن اكثر من مرة منذ بدء عملية طوفان الاقصى برئيس وزراء دولة الاحتلال في فلسطين نتنياهو ليطمئن على مسار مجازر الصهاينة والقتل الجماعي وإلقاء عشرة آلاف طن من المتفجرات الهائلة على منازل المدنيين في غزة، وقد بدا شديد التأثر لسقوط عشرات الإسرائيليين في عملية «طوفان الأقصى» متجاهلاً إبادة أكثر من 3000 مدني من أطفال ونساء الى جانب أكثر من ألف مفقود تحت ركام الغارات الصهيونية التي تواصل قصفها الإلغائي لمدينة مكتظة على مسمع ومرأى العالم (وخاصة من يدعون بالتحضر)! .. إن استهداف المستشفيات والمدارس والمرافق المدنية الأخرى، بما فيها المنازل، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب مكتملة الأركان.. فلسطين ليست قضيىة سياسية .. فلسطين امتحان يومي للإنسانية!.. ان تكون مع فلسطين يعني ان تكون انسان او لا تكون..
لقد بدا بايدن متهالكاً وهو يرثي «القتلى الإسرائيليين المساكين» بأيدي أعدائهم من «الكائنات البشرية الفلسطينية المتوحشة»، وقال انه أبلغ نتنياهو عن وقوف الولايات المتحدة والغرب الى جانب «دولة الكيان» ومساعدتها ونصرتها بكلّ ما تحتاجه حالاً، الى جانب توجه أكبر حاملة طائرات في العالم وطواقمها من غواصات، وقطع حربية ضخمة، وهو لزوم تدخل عسكري مباشر وانّ بلاده ستزوّد «دولة الاحتلال» بكلّ ما يلزمها من عتاد وذخائر اضافة الى 2000 جندي امريكي… داعياً الى استراتيجية غربية تحمي وجود «الكيان الصهيوني» وأمنه.
وفي زمن الانتخابات الأميركية خصص بايدن جزءاً من كلمته للحديث عن المظالم التي يتعرّض لها اليهود في العالم وعن تواطؤ العالم عليهم! .. بايدن سيدخل مارثون الانتخابات الرئاسية في العام القادم وهو رئيس ضعيف ليس له تاريخ لامع ولا مستقبل منتظر بالمطلق فمن الطبيعي ان يترامى تحت اقدام الكيان الصهيوني بهذه الصورة التي شاهدها العالم بين القطبين في اركان المعمورة وهو الذي قال لوالده ذات يوم لازم اكون يهوديا حتى اكون صهيوني اجابه والدة انت صهيوني من غير ان تكون يهودي وفي ذات السياق ومن المستهجن ان وزير الخارجية انتوني بلنكين عندما قال قدمت الى دولة الكيان كيهودي (سخافة السياسة )..
ومن ذلك يتضح انّ الولايات المتحدة في حالة تموضع جديد في الشرق الأوسط في ضوء المتغيّرات والتحالفات الجديدة في آسيا وأفريقيا وترى ضرورة العودة الى المياه الدافئة وتعزيز تحالفاتها القديمة والمستجدة .
بعد طول انتظار لانطلاق الحملة البرية لجيش الاحتلال مع دخول اليوم الثاني عشر للحرب، نفذ طيران الاحتلال غارات منظمة على المستشفى المعمداني في شمال وسط غزة مستهدفاً تدمير وحرق المستشفى على رؤوس من فيه، فقد ارتكب العدو الصهيوني مجزرة صادمة بالتجرؤ على استهداف ساحة المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة والذي كان ملجأ للنازحين ما أدى الى سقوط أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى، إضافة لمرضى المستشفى وطاقمه الطبي والإداري، والعملية المدروسة كفاتحة للانتقال إلى تنفيذ مخطط التهجير عشية استقبال قادة الكيان للرئيس الأميركي جو بايدن الذي منح الضوء الأخضر لقادة الكيان بفعل ما يرونه مناسباً للفوز بالمعركة، وهو يعلم أن لا شيء يستطيعونه إلا القتل المفتوح للآلاف حتى يتحقق التهجير، وقد تهرّبوا من العملية البرية لعشرة أيام..
أراد بايدن المجزرة عشية قدومه لجسّ نبض عناصر التعطيل للمشروع المتفق عليه مع قادة الكيان، ومدى قدرتها على التحرّك، فمن جهة الموقف العربي والإسلامي الرافض لمشروع التهجير والمذبحة المفتوحة بحق غزة، خصوصاً مصر والأردن والسعودية، حيث أمن البلدين على المحك، ومعهما السعودية التي يرتبط استقرارها عضوياً باستقرار مصر والأردن.
واليوم ينعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة، وتظهر حدود وسقوف الموقف، وما إذا كانت الأنظمة الحاكمة لا تزال تملك بعض الشجاعة اللازمة لتضرب بيدها على الطاولة وبيدها أوراق قوة كثيرة، فأوروبا تعتاش على نفط الخليج، وأميركا تخشى مزيداً من الانزياحات العربية والإسلامية نحو المحور الروسي الصيني، ويكفي إقفال قناة السويس ووقف بيع النفط حتى يتغير وجه العالم .. والسؤال هنا : هل يتحرك الضمير العربي لمواجهة هذا التحامل الغربي الاوربي والامريكي على امتنا العربيه؟.. وهل يجيب زعماء الامة سؤال طفل من غزة باعلى صوتة : يا اهلنا العرب على اية فضائية تشاهدون ذبحنا؟!!.. ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ۞ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾.. هل من جواب؟.. هل من صوت يفرق بين الضحية والجلاد؟.
خلاصة القول:
الكيان العنصري الصهيوني يصفع الإنسانية على وجهها بجريمة إبادة لا تُصدَّق، مئات الشهداء وعداد القتل الصهيوني لا يتوقف، فهل يصحو ضمير العالم لكبح جماح آلة الإبادة الصهيونية، التي صدّقوني لا تستهدف الشعب الفلسطيني إنما تستهدف البشرية والإنسانية على حد سواء..
تحوّلت تداعيات العدوان الهمجي المجرم على غزة وما يخلفه من قتل ودمار الى رافعة لنهوض شعبي عربي وغربي، يظهر في الشارع العربي والاوروبي وحتى الامريكي!! فكانت التظاهرات العفوية قد خرجت فور انتشار خبر مجزرة المستشفى المعمداني، فحوصرت السفارة الإسرائيلية في عمان، وغصّت شوارع عواصم عربية وإسلامية بالمتظاهرين..
شعب غزة لا يضرب مثلا فريدا في الصمود فحسب، بل هو صمام الأمان لبقاء فلسطين، بل لا نبالغ إن قلنا إنه صمام الأمان بالنسبة للأمة بأسرها، وينوب عنها في صراع طويل الأمد مع الكيان الصهيوني..
إن المختلف في الحرب الراهنة على غزة هو الدم الكثير والصدام العنيف والألم المتبادل كما أن الصدام إذا ظل محصورا في غزة فإن الأمر قد يستمر لثلاثة أسابيع مقبلة وقد يصل إلى شهر وفي حال إلى أنه إذا امتد الصراع ودخلت الجبهة اللبنانية على الخط، فلا يمكن حينها تحديد موقع محتمل لنهاية الصراع..
عاشت فلسطين كل فلسطين حرة عربية من البحر الى النهر..
كاتب وباحث اردني