الدكتور محمد ابو حمور
تعتبر المؤسسات القادرة والفعالة أحدى أهم مكونات ودعائم الدولة، ودولة المؤسسات تتصف عادة بالقدرة على تركيز الجهود نحو الأهداف وبالحرص على مراكمة الإنجازات والبناء عليها، والأردن يزخر بالمؤسسات العريقة التي حققت العديد من الإنجازات واستطاعت ان تواجه اعتى التحديات، وعبر المراحل المختلفة وتبعاً لطبيعة التحديات تبرز بعض المؤسسات الرائدة التي تقوم بدور ريادي في التصدي للمصاعب التي قد تطرأ، ومؤخراً بات واضحاً أن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والنقدي انما تم بفضل سياسات حكيمة استطاعت أن تجيد التعامل مع المتغيرات وأن تبتكر الحلول في التوقيت الملائم.
ولدى استعراض المهام والأهداف الموكلة للبنك المركزي الأردني ومدى نجاحه وقدرته على تحقيقها لا نستطيع الا الإشادة بجهوده ومبادراته المميزة في مختلف المجالات، فمثلاً على صعيد استقرار سعر الصرف سنجد أن سياسة ربط الدينار بالدولار أثبتت كفاءتها وقدرتها على ضمان ثبات سعر صرف الدينار الأردني منذ الثمانينات من القرن الماضي ولفترة تقترب من اربعة عقود، ومن المهم هنا النظر لما حل بسعر صرف عملات الدول المختلفة في الإقليم-باستثناء دول الخليج- ومدى التراجع في قيمتها ووصول بعضها الى حافة الانهيار في الوقت الذي حافظ فيه الدينار الأردني على قيمته وقابليته للتحويل.
وفي مجال الاحتفاظ باحتياطيات من العملات الأجنبية فقد بلغت هذه الاحتياطيات حوالي 17.4 مليار دولار وهي تكفي لتغطية مستوردات المملكة لحوالي ثمانية أشهر، علماً بان المعيار العالمي يشير الى تغطية المستوردات لثلاثة شهور، وهكذا فقد استطاع البنك المركزي الحفاظ على الاستقرار النقدي وعلى جاذبية الودائع بالدينار الاردني وعلى سعر صرف الدينار وذلك من خلال مواكبته للتطورات في الاسواق النقدية العالمية واتخاذه للإجراءات اللازمة في التوقيت المناسب.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مختلف دول العالم من التضخم الجامح وتبذل جهوداً غير مسبوقة لتخفيض نسبته ومواجهة ما يفرضه من تحديات، حقق الأردن أداءً مميزاً حيث تشير الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الى أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك شهد على المستوى التراكمي خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام نمواً بنسبة 2.3%، وهي الأدنى على مستوى الإقليم وتؤكد نجاح إجراءات السياسة النقدية التي تم اتخاذها في هذا المجال.
كما أستطاع البنك المركزي عبر إجراءاته الرقابية والتنظيمية أن يحافظ على سلامة وملاءة الجهاز المصرفي في المملكة وحمايته من المخاطر التي شهدتها العديد من دول العالم خلال السنوات الأخيرة.
وفي خطوة تتوج الجهود التي بذلت لمكافحة غسيل الأموال فقد تم الإعلان في شهر أيلول الماضي عن رفع اسم الأردن من القائمة الرمادية، كما لا بد من الإشارة أيضاً الى جهود البنك المركزي في ميدان تأمين التمويل اللازم لتغطية عجز الموازنة العامة.
ولم تقتصر جهود البنك المركزي على جانب السياسة النقدية فقد كان له دور أساسي في مواجهة العديد من التحديات التي واجهت الاقتصاد الأردني بما فيها تداعيات جائحة كورونا، وتم تبني عدد من البرامج الهادفة الى تعزيز التعافي الاقتصادي والحفاظ على النمو بما فيها برنامج تمويل ودعم القطاعات الاقتصادية وخاصة المشاريع المتوسطة والصغيرة وبمبلغ اجمالي يصل لحوالي ملياري دينار، وبأسعار فائدة متدنية تتيح للقطاعات الاقتصادية المختلفة تجاوز ارتفاعات أسعار الفائدة.
كما تم أيضاً تبني البرنامج الوطني للتشغيل الذاتي بقيمة 100 مليون دينار بهدف تمكين الشباب من إقامة مشاريع تنموية تحقق لهم مصدر دخل دائم وتوفّر لهم فرص عمل بكلف وشروط ميّسرة.
من المفهوم أن هذه المقالة لا تهدف الى الإحاطة بمختلف الجهود التي بذلت والبرامج والمشاريع التي تم تبنيها من جانب البنك المركزي ولكنها إشارات تبين كيف استطاعت احدى المؤسسات الأردنية الرائدة العمل على والمساهمة في ضمان الاستقرار النقدي ونسبة متدنية من التضخم واحتياطيات اجنبية ملائمة ما أدى الى توفير الظروف الملائمة لتحفيز وجذب الاستثمارات والحفاظ على التصنيف الائتماني ورفع الثقة بالاقتصاد الأردني.
ولعل في ذلك ما يؤكد أن مؤسساتنا المختلفه وفي القطاعين العام والخاص قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات في حال توفر الإدارات الكفؤة ومؤشرات الأداء القابلة للقياس مع القدرة على التأقلم مع التغيرات والتطورات ذات الأثر واتخاذ القرارات المناسبة في وقتها دون ابطاء.