الاردن اليوم
القى رئيس مجلس الاعيان عبد الرؤوف الروابدة محاضرة تذكارية مهمة حول الاردن والربيع العربي مساء أمس الثلاثاء في افتتاح فعاليات اعمال المؤتمر الاردني التاسع للجمعية الاردنية لجراحي العظام والمؤتمر الخامس المشترك لدول الجوار (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن) والذي اشتمل على محاضرة تذكارية لرئيس مجلس الاعيان عبدالرؤوف الروابدة حول الاردن والربيع العربي.
وتاليا نص الكلمة التي القاها دولة الروابدة ..
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير المرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين
الأردن والربيع العربي
الأخـــوة الأكــارم،،،
الأخوات الكريمات،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أشكر لكم دعوتكم لي للحديث إلى هذه المجموعة الخيّرة من نطاسيي هذا الوطن الذين يزدادون كل يوم علماً وغدوا من روافد النماء والتطور في هذا البلد المعطاء. لقد اخترت أن أتحدث إليكم حول أمر وضع العالم العربي على مفترق الطرق، مبشراً بمستقبل واعد، أو منذراً لا سمح الله باستمرار انهيار النظام العربي.
انفجر العديد من مجتمعاتنا العربية بالتتابع خلال العامين المنصرمين، فجأة وعلى غير توقع. كنا قبل ذلك نرى أن كل دولة عربية مشغولة بقضاياها الداخلية منطوية على نفسها. وأن الجماهير قد استخذت واستكانت وغدت عندها لقمة العيش وهموم الأبناء قمة اهتماماتها. ترتب على ذلك أن النظام العربي قد تلاشى أو في سبيله إلى التلاشي. تراخت الحركات الحزبية واتضح فشلها في تحريك المجتمعات العربية أو إحداث أي إصلاح، أو على الأقل الحد من التسلط والظلم وهدر كرامات المواطنين. والأنكى من ذلك أن بعض الأحزاب والفعاليات صارت منظّرة للحكم المطلق وتزوير الديموقراطية والاستزلام للحكام.
صدمتنا فجائية الأحداث بعنفها وتسارعها وآثارها بعيدة المدى. يبدو أن الألم والرفض كانا يتراكمان في وجدان الشعوب العربية، وأن الاحتقان كان يتفاعل ويتزايد، وأن المرجل كان يغلي وعلى وشك الانفجار. كانت الأمور تنتظر صاعق التفجير فجاء على غير توقع من تونس. كان الحدث بسيطاً وأسبابه كذلك ولكن آثاره كانت مدوية.
انتشرت الانفجارات كما النار في الهشيم، وانتقلت من موقع لآخر. كانت عامة وشاملة، وكانت العفوية فيها متميزة. كانت انقلاباً دون عسكر، وإن حاول العسكر مداراته أو السكوت عليه طمعاً بإدارته وكسب نتائجه. كانت الحركات جماهيرية حاشدة، دون أن يكون وراءها تنظيم حزبي، وإن حاولت الأحزاب العقائدية والأحزاب المنظمة ركوب الموجه بعد حين بهدف جني ثمارها. كانت الحركات شبابية بامتياز، يقودها ناشطون غير مؤدلجين. قيادات جديدة من رحم الشعب لا من نخبته ولا يجمعهم تنظيم واحد.
اعتمد الحركيون على الإعلام الجديد الذي أبدعته ثورة الاتصالات... اعتمدوا شبكات التواصل الاجتماعي مثل الـ(Facebook وTwitter وYouTube) وعلى الانترنت، وهي وسائل اتصال لا تحتاج أجهزة أو خبرات أو مؤسسات أو تمويل. وسائل تقوم على الجهد الفردي في البيت أو المكتب، قادر على تحريك تجمعات دون تنظيم مسبق، فهو يحرك جموعاً برسالة الكترونية يستقبلها الجميع دون عناء ولا تستطيع حجبها الرقابة. هذه الوسائل سريعة الانتشار تصل إلى أعماق الأرياف والبوادي والأحياء المهمشة، فهي لا تعترف بالمسافات ولا بالمستوى الثقافي. وسائل تكشف الأسرار والأحداث والتطورات وتتيحها للجميع بسرعة فائقة، فلا يحتكرها أحد ولا يقطع مسارها أحد.
يجدر بالملاحظة أنّ الميدان الرئيسي لذلك الانفجار المدّوي، كان الأنظمة التي قامت نتيجة انقلابات عسكرية ادعى كهنتها والمنظرون لها أن هدفها الإصلاح والتغيير وإطلاق الحريات والتنمية والديموقراطية، فإذا بالإصلاح وبالاً على الشعوب وإذا بالدكتاتورية تئد الحريات وحقوق الإنسان وتهدر كرامته، وتقزم الحياة الديموقراطية وتدمر التنمية وتحيل الأوطان عالة على الدول المهيمنة والطامعة. دكتاتورية مقنّعة بغلالة حزبية لا تستر عورة، ومموهة بتنظيمات شكلية وأجهزة إعلامية للتمجيد لا للصدق مع الجماهير وأجهزة أمنية تحمي الأنظمة ولا تحمي الأوطان والمواطنين.... أجهزة حزبية وإعلامية وأمنية تستقوي بها قلة على الوطن والشعب، أدت إلى استشراء فساد متغوّل لا يعرف حراماً أو حلالاً، ولا تحد شراهيته حدود.
فوجئت القوى الدولية المهيمنة، وقد أيدت في البداية الأنظمة الظالمة أو أنها صمتت بانتظار معرفة تطور الأحداث، ثم سرعان ما تحركت سراً وعلناً لحماية مصالحها عند القادم المتوقع، ورفعت عقيرتها تدعو للحريات وحقوق الإنسان والديموقراطية، وكأنها لم تكن تعرف الموقف الرسمي من تلك الأمور الجوهرية في مواقع الإنفجار، ثم أسهمت باتصالاتها وإعلامها وأعوانها في محاولة لتوجيه الحركات والحراكات واختيار أطراف تدعمها تأميناً لاستمرار هيمنتها على الواقع والمستقبل.
الإخوة والأخوات،،،
الوطن العربي يعيش زلزالاً أو تسونامي لن يبقي حجراً على حجر، وأقطارنا تتبادل التأثر والتأثير، ولن يسلم قطر واحد من مترتبات الزلزال.
لقد كان أثر الربيع العربي على الأردن كبيراً، وترتبت عليه أوضاع حرجة. لست في ذلك محاولاً التخويف أو التشاؤم، فالتشخيص لا بد أن يكون مقدمة للعلاج. وقد تعودنا في الأردن التعرض للعديد من المواقف الحرجة كما تعلمنا وأحياناً بثمن باهظ الخروج منها.. لكننا أيضاً مارسنا أحياناً التراخي والتجاوز عن كثير من الحقائق حتى كانت الأمور تستفحل فتحتاج إلى الحسم. إن علينا أن نتنبه أن أساليب الحسم السابقة لم تعد ممكنة وثمنها باهظ، ولكن المستجدات أثبتت أن الديموقراطية الحقيقية، التي لا يستفرد بها طرف، ولا يستقوي بها اتجاه هي وسيلة الوصول إلى بر الأمان والمستقبل المشرق.
إن عناصر الإحباط موجودة، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية الخانقة وما ترتب عليها من بطالة وفقر وعدم عدالة توزيع مكاسب التنمية، وما شهدناه في مراحل قريبة من استشراء الفساد الإداري والمالي، وتراجع الإدارة الحكومية، وتعدد مراكز القوى وتصارعها، وحالات من تزوير الإرادة الشعبية في الانتخابات. إن هذا التشخيص لا يجوز أن يعني ولا نقبل أن يؤدي إلى إنكار الانجازات الوطنية في مختلف الميادين التي تتجاوز كل التوقعات وكل القدرات الوطنية حتى بتنا نتفاخر عادة على أصحاب الثروات بارك الله لهم بها، ونفعنا من بركاتها.
إن هذه العناصر موجودة في كل الأوطان العربية، ولكن درجتها عندنا أقل وأضعف أثراً، ولذلك فإن مواقف الجماهير من هذه العناصر تختلف من بلد عربي لآخر تبعاً لذلك. يضاف إلى هذه العناصر خاصية أردنية هي الرعب من المستقبل، وتعدد الهواجس الوطنية من جميع فئات الشعب من حل قضية الأمة على حساب الأردن وعودة الحديث عند القوى المهيمنة عن الخيار الأردني والوطن البديل ومحاولات القلّة الاستقواء بالإقليمية والجهوية ونقل الصراعات العربية داخل بعض الأقطار إلى الساحة الأردنية.
الإخوة والأخوات،،،
استشرف الأردن منذ مدة الواقع الوطني، ولذلك فقد تم طرح العديد من المبادرات والتوجهات الجديدة، كان التعبير عنها بشعار أحياناً: على قدر أهل العزم، والأردن أولاً، وكلنا الأردن وغيرها. وطرحت توجهات جديدة حول الشباب والمرأة والتربية والتعليم والدعوة الإسلامية عبر رسالة عمان وغير ذلك، وإن كان التنفيذ "أحياناً" لم يكن بمستوى الطموح.
وهنا جاء الربيع العربي، الذي قد حرك المياه الراكدة في كل المجتمعات العربية، وأبرز إلى العلن كل المظالم والشكاوى كما أبرز عناصر الاختلاف والتناقض في المجتمعات.
الإخوة والأخوات،،،
كان أثر الربيع العربي في الأردن حراكاً شعبياً سلمياً، وكان ذا أثر فعّال. كان تعبيره منطقياً، وإن تجاوز القلة القليلة الحدود المنطقية. علينا الانتباه، وبخاصة القوى الوطنية الفاعلة، أن هناك قوى محلية وإقليمية ودولية تحاول ركوب الموجه، ولست هنا أعني تنظيمات وطنية، وإنما بعض الطامعين بالجولة القادمة أو المرعوبين من القادم وفي مقدمتهم الفاسدون وأشياعهم.
صحيح أننا استبقنا الربيع العربي وواكبناه، إلا أنّ الطريق طويل وما زلنا بحاجة إلى برامج وطنية قابلة للتنفيذ، وعدم الاكتفاء بالشعارات على أهميتها. لقد تم تجاوز المطالب العامة إلى مطالب خاصة مكانية ووظيفية، وهي مطالب حقيقية وضرورية ولكن وقتها استقرار الأمور وتجاوز المنعطف التاريخي. لقد كبرت الصورة كثيراً وصار من الضروري تحديد إطارها، وإلا سيعجز الجميع عن الموجهة. خاصة ونحن نرى كيف انقلبت التوقعات الايجابية للربيع العربي في بعض الدول العربية فشهدنا الصراعات التي تمزق المجتمع وتحول دون وحدة التوجه نحو صياغة المستقبل الأفضل وشهدنا إنهيار مكونات الدولة وبنيتها الاساسية، حتى كاد البعض يترجم على الأوضاع المهترئة السابقة.
الإخوة والأخوات،،،
إن الإصلاح ضرورة وطنية لمواجهة التطورات والمتغيرات، وهي ضرورة مستمرة على الدوام لا تقتصر على وقت بعينه.
والإصلاح عملية متدرجة، والهدف من التدرج هو ضمان القدرة المجتمعية على الاستيعاب، وضمان القدرة على الإسهام في تغيير المستقرات من العادات والمفاهيم والقيم الوضعية، وكذلك فإن التدرج يحول دون الاستفراد بالسلطة سواء من الإدارة أو القوى المجتمعية ذات الأهداف الخاصة غير العامة أو من قبل رأس المال.
ومرتكزات الإصلاح، هي إرادة سياسية ظاهرة ومعلنة، وقناعة مجتمعية حول قاسم مشترك يحدده الحوار الوطني، وقدرة إدارية وسياسية على ترجمة أهداف الإصلاح إلى واقع معاش.
لقد جربت بعض القوى الانقلابية سبيلاً للتغيير وهتفنا لها، فإذا بالأمة تدفع ثمناً غالياً من حرياتها وحقوقها وديموقراطيتها وتنميتها، وكان الثمن أن الأنظمة الانقلابية كانت هدف الإسقاط في حراك الربيع العربي. أما الأنظمة التي حافظت على شرعيتها فكانت المطالب المحقة هي الإصلاح. وفي إطار التغيير المشروع تكون الطريق عبر مجلس النواب المنتخب ووسيلتها التشريعات.
الإخوة والأخوات،،،
لقد كانت انجازات الإصلاح في الأردن كبيرة ومتميزة وإن كانت لم تكتمل بعد. فالتعديل الدستوري والمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات وإدارتها والقضاء الإداري وقانون الانتخاب وقانون الأحزاب، بعضها قد أنجز والآخر على الطريق.
علينا أن نشد على الإنجاز بالنواجذ، وأن نستمر بالمطالبة بالمزيد، وأن نلتزم ببعض الضوابط حفظاً لأمن الوطن واستقراره وفي مقدمة تلك الضوابط:
الموضوعية.
النقد الهادف.
البعد عن الإرهاب الفكري.
البعد عن الذم والتحقير.
حماية هيبة الدولة.
طرح البدائل الممكنة.
الإخوة والأخوات،،،
لقد أنجزت الحركة الإصلاحية الكثير مادياً ومعنوياً، فقد أصبحت كل السلطات تحت المجهر، وتعمل في النور، وخاضعة للتقييم. ولكننا في الوقت نفسه بدأنا نلمس آثاراً جانبية وهي من طبيعية الأمور، في مقدمتها الإدارة المرعوبة التي تعجز عن الانجاز لخشيتها من اتخاذ القرارات، ولأنها عرضه للتشويه والاغتيال المعنوي، وهناك آثار لم تتضح بعد على التنمية والاستثمار. هل في هذا دعوة للتوقف؟ كلا، ولكنها دعوة لإعادة النظر في الأساليب فليس كل ما يلمع ذهباً.
عبدالرؤوف الروابدة