مثّل اللقاء الأخير الذي جمع جلالة الملك مع نوّاب كتلة الإصلاح في البرلمان ، أو نوّاب جماعة الإخوان المسلمين التاريخية ، نقطة تحوّل بين الدّولة الأردنية ممثّلة بالملك والجماعة ، بعد تلك الزوبعة التي ثارت ضدّ الجماعة قبل ما يقارب الثلاث سنوات .
فشرعية أيّ قوّة سياسية لا تأتي من خلال الحصول على ترخيص رسمي من هذه الجهة أو تلك ، ولكنها تأتي من مدى قوّة وتأثير هذه القوّة في الشارع ، ومدى امتلاكها زمام الأمور ، وقدرتها على تحريك المناصرين ، وإمكانية إيصال أكبر عدد ممكن من أعضائها إلى المجلس النيابي ، والكلّ يعي بأنّ جماعة الإخوان التاريخية قادرة على ذلك ، من خلال نفوذها ووجودها المستمرّ منذ أكثر من سبعة عقود .
وقد حاولت بعض القوى مؤخّرا استمالة جماعة الإخوان استغلالا لجماهيريتها ، وما تتمتع به من نفوذ وقدرة على التحشيد ، حيث دعت هذه القوى الجماعة إلى التنسيق والتحالف خلال المرحلة المقبلة التي قد تشهد نشاطات حراكية في الشارع ، على ضوء تطوّرات الأوضاع الإقليمية ، وما يشاع عن صفقة القرن وتأثيرها على القضيّة الفلسطينية ومخاطرها على الأردن .
الجماعة تعاملت مع هذه الدعوة بعقلانية بالغة ، ومن راقب أداء الإخوان في سنوات سابقة ، وما هم عليه الآن ، يلحظ الفرق الكبير في الأداء السياسي ، والذي بات منسجما مع النظام ومواقفه ، والأدلّ على ذلك تصريحات بعض النواب الإخوان بعد لقائهم مع جلالة الملك ، والذي نظر إليه على أنّه إعادة اعتبار للجماعة التاريخية بعد الأزمة التي افتعلتها الحكومة قبل ثلاث سنوات .
العشاء السياسي الذي أقيم مؤخّرا بحضور بعض السياسيين والمتقاعدين إلى جانب قيادات إسلاميّة ، لم يأت بالثمار التي كان يتوقّعها هؤلاء الذين حاولوا استمالة الإخوان والنزول إلى الشارع إذا اقتضت الضرورة ، وواضح أنّ ردّ الجماعة كان صريحا باتّجاه رفض ذلك ، لأنّ المرحلة تتطلّب رصّ الصفوف الرسمية والشعبية في مواجهة ما هو قادم ، وأنّ موضوع المشاركة في حراك شعبي قد لا يكون مفيدا ، مع وجوب البحث عن بدائل لصون الجبهة الداخلية والعمل على تماسكها في مواجهة أيّ أخطار أو مؤامرات .