كتب د. محمد أبو بكر
في بلد كالأردن ، يعيش ضمن بؤرة ملتهبة ، تكثر فيها حبائل المؤامرات الخارجية ، وتزداد فيها سخونة الأجواء ، والتربّص بهذا الوطن لا ينقطع ، ومن عدّة جهات ، الصديق والشقيق قبل العدو ، يقوم جلالة الملك بدور سياسي ملؤه المشقّة والإرهاق ، وهو يحاول أن ينأى بالأردن عن كلّ ذلك من خلال سياسة متوازنة ، تحفظ للوطن أمنه وكرامته وسيادته ، وتعمل على حلّ المشكلات العالقة بحكمة واتّزان وبعدالة .
الموضوع الخارجي يثقل كاهل الملك ، ومن يدقق ويمعن النظر في قسمات وجه قائد الوطن ؛ يدرك بأنّ الحمل ثقيل جدا ، وهو يحتاج لمن يكون عونا له ومساندا في جهوده ، لا أن يكون عبئا عليه .
المشاكل الداخلية كثيرة ومتعددة ، ولن تنتهي ، حتى لو جئنا بسوبرمان لتولّي قيادة السلطة التنفيذية ، ولكن في كلّ الأحوال فإنّ الحكومة ومن خلال وزرائها ومسؤوليها هي التي تتولّى شؤوننا الداخلية ، وهي التي يجب عليها أن تقوم بهذا الدور وليس الملك .
صحيح أن الملك غير غائب عن قضايانا ، ومتابع لها بشكل حثيث ، ولكن لا يجوز أبدا أن نجعل من الملك وزيرا للصحة والصناعة والبيئة والتربية والتنمية الإجتماعية !
ليس مطلوبا من الملك أن يذهب لتفقّد مستوى الخدمات في مستشفى ، وليس من وظيفته الإطمئنان على مواطن كهل قست عليه الظروف ، أو زيارة صوامع حبوب جديدة قيل عنها الكثير ، وغير ذلك من أمور ما زلنا نشغل الملك بها في ظلّ تباطؤ في العمل وتقصير في العديد من مفاصل البلد .
هناك حكومة ، وهناك مؤسسات ، أكثر من خمس وعشرين وزارة وما يفوق الخمسين هيئة مستقلّة ، وفوق ذلك نرهق الملك في قضايا يومية ، يمكن لأيّ وزير أو مسؤول متابعتها والعمل على حلّها ، ولكن في غالبيتهم جذبتهم المقاعد الوثيرة والمكاتب الفخمة ، واعتقدوا أنّ وجودهم في مواقعهم ، ما هي إلّا فترة مشمشية لا أكثر ، فتركوا أمور وزاراتهم ومؤسساتهم بعد أن نامت الضمائر.
في هذه الظروف الدقيقة والصعبة ، دعونا نترك الملك للتفرّغ لشؤوننا الخارجية ، ومقارعة ومقاومة ما يحاك ضد الأردن والقضية الفلسطينية والأمّة العربية بأجمعها ، اتركوه يواجه مكائد الشقيق والصديق ، لا تشغلوه في أمور جانبية ، بإمكان أيّ مدير أو مسؤول متوسط ألعمل على حلّها ، وكلّ ما يريده الملك اليوم أنّ نكون إلى جانبه ، عونا وسندا لا عبئا ، سواء من جهة الحكومة أو مجلس الأمّة بشقّيه ، أو حتى المواطنين أنفسهم .