اليكس فيشمان

حينما سقط مبارك تلقت اسرائيل انذارا استراتيجيا بأن تبدأ التفكير بمفاهيم جديدة - قديمة في جبهة المواجهة لمصر. وأمس قصر أجل هذا الانذار الاستراتيجي - بل ربما قصر جدا.
حصلنا أمس على وجه القيادة العسكرية المصرية الحقيقي ذاك الذي تتطلع اليه في أمل جميع المجتمعات الديمقراطية في العالم. انه وجه تعب، بلا رؤيا، وجه مشير شيخ وقع من نصيبه ان يقود شعبه في أشد اللحظات الحاسمة في تاريخه الحديث لكنه غير قادر وغير عالم كيف يفعل هذا.
انه - أي المشير طنطاوي - والجنرالات الخاضعين له مصابون بنوع من الشلل وبعجز سياسي مخيب للآمال. انهم الاشخاص الذين سيُنحيهم الاخوان المسلمون في الشارع المصري في اول فرصة عن الحكم. واذا كان ما يزال يوجد في اسرائيل أو في الولايات المتحدة أو في كل مجتمع ديمقراطي آخر شخص يؤمن بأن الجماعة العسكرية في مصر ستأتي المنطقة بالخلاص فهو يحلم.
اذا كانوا في اسرائيل خائبي الآمال من تحليل التهديد والبرنامج الزمني الذي تعرضه الادارة الامريكية بشأن التهديد الايراني فكيف تكون الحال مع مصر. يجب علينا أن نكون أكثر قلقا وشكا في تقديرات اصدقائنا لما يجري في ارض النيل. انهم في الحقيقة يحلمون أحلام يقظة.
الى أمس كانت ما تزال توجد توقعات من خطبة الطنطاوي. لم يعتد هذا الرجل الظهور على الملأ وأن يخطب خطبا حاسمة تحمل البشرى. والى اليوم كان يرسل متحدثين عسكريين ليؤدوا العمل. وأمس خرج هو نفسه الى الجمهور وكان مقدار خيبة الأمل كمقدار التوقع. فمثل خطبة مبارك حقا بعد نشوب الثورة في كانون الثاني: كانت قليلة جدا ومتأخرة جدا، لم تكن أية بشرى ولم يكن أي أمل. وما قاله يمكن فقط ان يؤجج الشارع أكثر وأن يُقصر مدة حكم الجماعة العسكرية.
وعد الطنطاوي بانشاء حكومة جديدة وعلى رأسها مختص. وكأن الحكومة المصرية التي استقالت لم تكن حكومة يرأسها مختص. وتحدث عن انتخابات رئاسية بعد ثمانية اشهر. ويوجد هنا في ظاهر الامر تنازل منه: فهو مستعد لتقديم موعد انتخابات الرئاسة من أجل غير مسمى في 2013 الى حزيران 2012 لكن هذا خطأ بصري. فالاشهر الثمانية تُعد دهرا طويلا عند الجمهور الغاضب في ميدان التحرير الذي يريد ديمقراطية على عجل. انهم يريدون الجيش في الخارج، والآن. وحينما يعد الطنطاوي ايضا بأن الجيش لا يريد الحكم وأنه يأمل فقط أن ينقله الى أيد مدنية فانهم لا يصدقونه.
ان الوحيدين المستعدين لتبني الصفقة التي تم التوقيع عليها أمس بين الجماعة العسكرية والاحزاب الاسلامية - والتي تتحدث عن موعد متفق عليه للانتخابات الرئاسية، وعن تعويض عائلات المصابين وخفض مستوى العنف - هم قادة حزب «الحرية والعدالة»، وهو الحزب الكبير للاخوان المسلمين. ان هدوءا تكتيكيا في هذا الوقت سيُمكّنهم من دخول انتخابات مجلس الشعب يوم الاثنين القريب في جو هاديء وحصد أكثر المقاعد. وتأجيل انتخابات مجلس الشعب الى أجل غير مسمى بسبب أحداث الشغب في الشوارع سيكون بالنسبة اليهم عُطلا شديدا جدا. ما يزال الشارع لم يتبنَ دعوتهم الى الهدوء. لكن حتى اذا هدأت شوارع القاهرة حتى يوم الاثنين القريب فسيكون هذا بفضل الضغط الذي سيستعملونه على مؤيديهم لا بفضل الجيش.
طلب الطنطاوي الذي احتفل في الواحد والثلاثين من تشرين الاول بيوم ميلاده السادس والسبعين، طلب الى الرئيس مبارك قبل سنتين أن يخرج للتقاعد. وقد كان متعبا آنذاك. وقد ضاق ذرعا لأنه كان وزير الدفاع مدة عشرين سنة. لم تكن له مطامح سياسية قط. وليس هو من طراز أنور السادات الذي كان جنرالا عاد للنماء حينما بلغ القيادة السياسية. ومأساته الشخصية الكبرى ان ليست له أية خطة هرب. ليست له الآن أية خطة تنحٍ تُمكّنه من الخروج بسلام وألا ينهي حياته المهنية الطويلة كما أنهاها مبارك.
لا يفهم الطنطاوي ولا جنرالاته في السياسة، فالرئيس مبارك لم يدعهم يمسون السياسة. وأصبحوا فجأة يُصرفون أمور دولة. فلا عجب أنهم لا يفهمون الشارع ولا يعملون مثل ادارة شرعية تفرض سلطتها. ان ما يهم الجماعة العسكرية ثلاث مصالح مركزية: المصلحة القومية في الحفاظ على المساعدة الامريكية للجيش، والامتناع عن مواجهة عسكرية مع اسرائيل؛ وفي الصعيد الاقتصادي: مصلحة الجيش ألا يمسوا بميزانيته وألا يتدخل المدنيون بمشروعاته الاقتصادية؛ والمصلحة الشخصية هي ان يكون العسكريون منيعين في وجه جهاز القضاء المدني. قد تكون الجماعة العسكرية مستعدة للنضال عن هذه المصالح.
ان الصراع على صورة مصر في بداية الطريق فقط. وقد خسرت الجماعة العسكرية النقاط في الجولة الاولى. والأمل في اسرائيل ألا يسقطوا بالضربة القاضية في الجولة التالية. ان مأساة مصر أخذت تزداد عمقا. ويبدو أنه لا يوجد هناك أية جهة لها قاعدة جماهيرية واسعة وخبرة بالحكم كافية لتصريف أمور 88 مليون شخص، مع اقتصاد محطم وفوضى تنتشر الى جميع أنحاء الدولة.

يديعوت احرونوت