التاريخ : 2018-03-20
التهديد بالانتحار جرس إنذار لدراسة الدوافع
الرا ي نيوز
- شهدت الشهور الأولى من العام الحالي ، تزايد حوادث التهديد بالانتحار، حتى أصبحت بعض المعالم في بلدنا كالجسور أو بعض العمارات أشبه بعنوان معروف للراغبين في انهاء حياتهم،فأحدهم يهدد بإضرام النار بنفسه وبأولاده ،وآخر يعتلي بناية مرتفعة على مرأى من الجميع،حتى ان أعداد أولئك المهددين بالانتحار وصلت 10 أشخاص في عام 2018 وفق إحصائيات رسمية صدرت مؤخراً.
وعلى الرغم من أن الكثير ممن يقبلون على التهديد بالانتحار لأسباب قد لاتستحق ذلك ، إلا أن التهديد «بالانتحار» أصبح الأسلوب المتبع للتعبير عن الاعتراض على مايواجهه البعض من مصاعب الحياة بشتى أشكالها.
هناك أسباب تكمن وراء السلوك الانتحاري يوضحها الخبير في الوقاية من العنف، استشاري الطب الشرعي د. هاني جهشان قائلاً :» هناك عدد كبير من عوامل الخطورة الكامنة وهي معقدة وتتأثر ببعضها البعض وتشمل عوامل الخطورة هذه الحالة النفسية السابقة للانتحار كالاكتئاب والفصام واضطراب المزاج واضطراب الثنائية القطب،وهي حالة تتميز بفترات من الاكتئاب تتناوب مع فترات من الابتهاج، كذلك القلق واضطراب التواصل مع الآخرين والشعور بفقدان الأمل،وتشكل عوامل الخطورة هذه ما نسبته 65-90% من دوافع الانتحار ،كما ان للتعود على المؤثرات العقلية كالعقاقير المهدئة و المخدرات والكحول دورهام في الانتحار وهي مرتبطة أيضاً بوجود الاضطرابات النفسية السابقة».
ويشير إلى أنه :«قد يكون الانتحار أو محاولة الانتحار عاقبة لأمراض شديدة ومؤلمة وخاصة تلك التي تسبب العجز كالاعاقة الجسدية أو المتعلقة بالوصمة كالايدز. وتشكل حوادث الحياة المناوئة كفقدان شخص عزيز او فقدان الوظيفة أو خسارة كبيرة للمال وايضا الصراعات بين الأشخاص سواء كانت داخل الاسرة أو خارجها والمشاكل القانونية والاقتصادية كلها عوامل تهيئ لحصول الانتحار أو محاولة الانتحار».
ويضيف د.جهشان إن :«وجود سابقة تعرض خلالها الشخص في طفولته للعنف الجسدي أو الجنسي يؤدي إلى زيادة احتمال قيامه بالانتحار في فترة المراهقة أو بعمر اليافعين ، كما وأن طبيعة التوجه الجنسي ( الشذوذ الجنسي) يزيد من ذلك في مرحلة المراهقة بسبب العزلة والكرب والوصمة الاجتماعية وما يرافق ذلك من تعود على الكحول و المعاناة من اضطرابات نفسية عديدة. وفيما يختص بالأسرة أظهرت الدراسات وجود زيادة في النزعة للانتحار في حالات الزواج المبكر».
وفي حالة وجود العنف الأسري، وفي حالات الطلاق ووفاة الزوج أو الزوجة (الترمل). العزلة الاجتماعية على مستوى الأسرة والإخفاق بالتواصل الاجتماعي على مستوى الفرد ،فإنها تشكل عوامل خطورة الانتحار وإن كانت غير مباشرة. إن أي محاولة انتحار يتم رصدها في الأماكن العامة بسبب شيوع أجهزة التواصل الرقمية الحديثة أو الحالات التي تصل طوارئ المستشفيات، يكون لها جذور فردية وأسرية ومجتمعية واجتماعية «.
]وسيلة لجلب الانتباه
وعلى الرغم من أن أكثر هذه المحاولات أو التهديد لا يكون الدافع الحقيقي منها انهاء الحياة وذلك بحسب الناطق الرسمي لمديرية الامن العام عامر السرطاوي ، وأن اغلب حالات الانتحار الفعلي والتي أدت لموت أصحابها عادة ما تتم بالسر ، عند طريق الشنق أو تناول العقاقير، إلا أنه لا يمكن استبعاد ان تكون أي محاولة انتحار مجرد تهديد لجلب الانتباه لقضية شخصية او اقتصادية او سياسية، بحسب د. الجهشان :» فالتفريق ما بين الدوافع الحقيقية للانتحار وبين «محاولة الانتحار» لجني مردود ما، ليس من المستطاع تحقيقه الا بعد استقصاء كل حالة على حدى من قبل فريق متعدد التخصصات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية، والاهمية الأساسية لوجود مثل هكذا فريق هو الوقاية من تكرار الحدث وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي ومعالجة أي دوافع نفسية للانتحار».
ويرى بأن :«وصم محاولي الانتحار عشوائيا بأنهم يقومون بذلك لجلب الانتباه دون إجراء استقصاء علمي منهجي حقيقي حول الدوافع، يشكل خطرا كامنا في عدم اكتشاف المحاولات الحقيقية وإضاعة الفرص لمنع التكرار والحفاظ على حياتهم بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتأهيل الاسري، فهناك دراسات مسندة بحثيا تشير الى ان «إحداث محاولة انتحار» بقصد جلب الإنتباه او الحصول على مردود او تحقيق مطلب ما هي الا حالة نفسية بحد ذاتها تستوجب الدعم النفسي، في بعض الأحيان تكون محاولة الانتحار بقصد تحقيق مطلب قد يفقد السيطرة على الظروف المحيطة بالتهديد ويتحول التهديد الى واقعة وفاة بإيذاء النفس كما حصل قبل بضع سنوات امام وزارة التنمية الاجتماعية عندما قام أحد الأيتام بحرق نفسه عند رفض الاستجابة لطلبه».
ويلفت إلى أنه :«على الرغم من أن اكثر حالات الانتحار الحقيقي هي بالسر لكن التعميم بان حالاته في الأماكن العامة هو لجلب الانتباه خطير فالعديد من محاولات الانتحار الحقيقية والتي انتهت بالوفاة تمت في أماكن عامة،ذلك لان اختيار وسيلة الانتحار يعتمد مباشرة على توفرها في البيئة المحيطة وعلى ثقافة الشخص المنتحر، فقد يعتقد الشخص محاول الانتحار ان افضل طريقة لديه هي قذف نفسه من مكان مرتفع وليس باستخدام مسدس او سم او اداة حادة أو حرق نفسه».
من ناحيتها بينت أخصائية علم الاجتماع الطبي الدكتورة شروق ابو حمور أن التهديد بالانتحار هو جرس إنذار للمجتمع بأن خطراً أكبر من ذلك من الممكن أن يحدث ،فهم أشخاص ذوو خطورة مرتفعة وقابلية الإيذاء للذات تعد كبيرة إذا لم تحل مشكلاتهم وتم التعامل معها بالأسلوب الأمثل فالقيام بالمحاولة يدل على طلب للمساعدة التي يجب عدم التغاضي عنه. هذا تحذير لمن حولهم ان امرا ما ليس على ما يرام. في كثير من الحالات يعجز الانسان عن التعبير عن الم معاناته، فهو لا يملك الوسائل للتعبير عنها. لذلك، محاولة الانتحار هي أمر يجب التطرق اليه بجديّة، فالأشخاص الذين حاولوا الانتحار في الماضي، لا يزالون عرضة لخطر تكرار المحاولة وربما الوصول للتنفيذ في المحاولة الأخيرة ما لم يحصلوا على المساعدة المناسبة.
حلول لتقليل هذا السلوك
ويذكر د. جهشان عدة أمور من شأنها تقليص هذه الظاهرة قائلا:» هناك مسؤولية وقائية على امانة العاصمة والبلديات والدفاع المدني فيما يتعلق بالأبنية المهجورة او قيد البناء بحجب النفاذ إليها بشكل جدي،كذلك يجب أن تكون الابنية الشاهقة محكمة بمعايير السلامة بحجب النفاذ الى الأسطح والنوافذ التي قد تستخدم للانتحار». ويضيف :»هناك مشكلة اخرى للاسف وهي تدني الخدمات الصحة النفسية في الأردن للتعامل مع محاولات الانتحار ان كانت حقيقية أو المشتبه بأنها بقصد تحقيق مردود فهناك غياب للفريق المشترك بالقطاعات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية وتتبع الحالات،فعند مراجعة الشخص للطوارئ بمحاولة انتحار او احتجازه بعد محاولة انتحار علنية لا يتم اي تتبع لحالته».
وتوجه د. أبو حمور رسالة الى المجتمع قائلة «لا تدعوا مشاكلنا الإجتماعية تغزوا أنفسنا، فهذه الأرواح والأنفاس الطاهرة خلقت لتنعم بحياة وصحة نفسية ،إقضوا على الداء بأيديكم واطلبوا الدواء، حاوروا واقبلوا وناقشوا وعللوا، انسحبوا فالانسحاب أحياناً هو الربح والانتصار الفعلي، لا ترهقوا أرواحكم وأجسادكم بعلاقات عنوانها الفشل،قد نخفق في الدراسة فيما نعتقد بأن الحب
في الزواج أو في الحصول على عمل،ولكن يقينك دائماً ويقيني بأن هذا الإخفاق هو مؤشر لنجاح قادم».
تأثير وسائل الاعلام
ان الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام يمكن أن تكون ذات أثر كبير في تتابع قضايا الانتحار، ومن هذا المنطلق طور مرصد مصداقية الاعلام الاردني «أكيد» مجموعة من الارشادات الأخلاقية في التعامل مع مسألة تغطية الإعلام لقضايا الانتحار، وهي: الحد من نطاق التغطية وتجنب الإثارة في التغطية وعدم ذكر أي معلومات مفصلة عن طريقة الانتحار أو المكان الذي حدثت فيه الواقعة والابتعاد عن التعظيم من شأنه، وتجنب المبالغات الإيجابية حول المتوفى.، الحديث عن العوامل المعقدة التي أدت إلى الانتحار – والتي في الغالب ما تكون نتيجة مشاكل نفسية بالغة التعقيد- وعدم لجوء الإعلام إلى تبسيط سبب الانتحار أو نسب الفعل إلى عامل واحد مثل المشاكل المالية، أو العلاقات العائلية غير المترابطة، أو الفشل في الامتحانات.و تجنب الأسلوب الدرامي في التقارير والابتعاد عن تصوير عملية الانتحار أو تحديد الوسائل المستخدمة والطريقة التي استخدمها الشخص في الانتحار،واعتماد مصطلح « توفي نتيجة الانتحار» على غرار ما نقول في حالة وفاة نتيجة أزمة قلبية مثلاً، في محاولة لتطبيع موضوع الانتحار على أنه سبب للوفاة وليس أكثر، وذلك لأنه عندما نقول مثلاً «قتل نفسه» أو «أنهى حياته» فنحن هنا نعطي أبعاداً للموضوع تتعدى قضية الموت.،و الابتعاد عن ربط أسباب الانتحار بظروف المجتمع، وتجنب رد سبب الانتحار إلى مشاكل بسيطة (على سبيل المثال، الطلاق، المرض، المشاكل والخلافات العائلية) الأمر الذي من شأنه أن يشجع على نسخ السلوك نفسه في قصص الانتحار فبعض الاشخاص الذين يجدون لديهم نفس المشكلة تتعزز لديهم فكرة أن الانتحار ربما يكون الحل، فكل ما تعرف الناس على تفاصيل أكثر حول قضية الانتحار كل ما زادت فرصة وجود عوامل مشتركة بينهم وبين الشخص الذي أقدم على الانتحار.
وأخيراً فإن الأشخاص الذين يهددون بالانتحار يتأرجحون في التفكير بين الحياة والموت. فهم لا يريدون الموت بل يريدون إزالة الألم عندما يدركون أن هنالك علاجا، وهذا يمنحهم أملاً، فالحياة أثمن ما نملك والحفاظ عليها هدف يمنح الانسان الإحساس بأهمية وجوده على هذه الأرض. الرأي