يخطئ من يظن أن مظاهرة ضخمـة في شارع الحبيب بورقيبـة تكفي لإسـقاط نظام متجذر عمره عشرات السنوات. الذي أسـقط نظام زيـن العابدين بن علي هـو الجيش التونسي، وما حـدث في تونس هو في الواقـع انقلاب عسكري بغطاء جماهيري.
ويخطئ من يظن أن اعتصاماً في أحـد ميادين القاهـرة يكفـي لترحيل الرئيس حسـني مبارك وإسـقاط نظامه، وسحب قوات الأمن المركزي. الذي رحـّل الرئيس وأسـقط نظامه هو الجيش المصري بقيادة حسـين طنطاوي، وما حدث في مصر هو في الواقـع انقلاب عسكري بغطاء جماهيري اسـتعمل بذكاء وأنـاة.
الاحتجاجات الشـعبية في اليمن وليبيا والبحرين وسـوريا لم تنل الدعم العسـكري المباشر أو غير المباشر. ولذلك لم تسـتطع إحداث التغييـر، وإذا كان المعارضون للأنظمة الحاكمـة قادرين على حشـد عشرات الآلاف من المتظاهرين في ميدان ما، فإن أنظمة الحكـم كانت قادرة على حشد أعـداد أكبر في ميدان آخـر، ومقابل الهتاف المعارض، هناك هتاف آخـر موال.
هناك موجـه إقليمية قويـة اجتاحت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه. ما أنجزته حتى الآن هو إسـقاط الخوف، فقد صار ُيقال وُيكتب علنـاً ما كان يقتصر على الهمـس، كما أن هذه الموجـه نجحت في وضع الإصلاح السياسي على الطاولة.
في بلدنا حركة احتجـاج معـززة بالإضرابات والاعتصامات، استمرت ثلاثة أشـهر حتى فقدت زخمها وبدأت بالانحسـار، وتحولت من الهجوم إلى الدفاع، فهي تشـكو اليوم من المقاومين لها، وتشكو من التحريض والتجييش ضدها مع أنهما أهـم أدواتها، وتطالب بحرية الإعلام دون أن تتورع عن طـرد التلفزيون الأردني وإلقاء ميكرفوناته على الأرض.
لكل فعل رد فعل، وفي مقابل أقليـة لها الحق أن تحتـج، هناك أقليـة لها الحق أن ترفض الاحتجاج وتتصـدى له، وكل تحريض لإحـدى فئات المجتمع يقابله تحريض لفئـة أخرى. الأغلبية الصامتة رفعت صوتهـا لتجد أنه أعلى من الأصوات الأخرى، ولن يطول الوقت قبل أن يطالب المحتجون قبل غيرهـم بعودة الاسـتقرار.
أمـام طريق مسـدود، لا بد من تحكيم العقـل، والقبول بالإصلاح من قبل النظام.