قمت أول أمس بعملية لتوسيع البؤبؤ..تمهيداً لفحص دوري للشبكية أجريه كل ستة شهور..قطرتان حارتان مثل ماء البحر أمطرتهما سكرتيرة الطبيب بعينيّ، جعلتاني اذرف إضعافهما دمعاً حاراً وحارقاً... دقائق وبدأ الغباش، صار يتمدد في كل مكان،لم اعد أميّز عقارب الساعة ولا أسماء وارقام المتصلين على هاتفي الخلوي، كما لم اعد قادراً على وصف الوجوه أو رصد الملامح...حتى اللون الأبيض الصافي الناصع المنبعث من «نيون» العيادة، أصبح بعد هذه القطرة لونا مزعجاً حاداً..
نتيجة هذا العمى المؤقت..أعدت يدي الممتدتين خلف الكراسي الى ما بين ساقي خوفاً أن المس احدى المراجعات دون قصد أو دراية، كما ركّزت نظري أسفل قدمي..فتوسيع البؤبؤ يعني فقدان السيطرة على حركته وحجمه فخفت ان يقع على منطقة محرّمة وأنال توبيخاً لا استحقه...سألت «الحجي» الذي يجاورني بالكرسي بعد ان تأكّدت من جنسه اثر «نحنحه» خشنة: حجّي بالله طل بعيوني توسّع البوبو؟ ...قال لي وهو ينظر الى صيوان اذني : صار قد «الشلن».. فاكتشفت انه هو الآخر يخضع لعملية توسيع بؤبؤ...فلم يكن المسؤول أحسن حالاً من السائل...
***
كانت أجمل أربع ساعات اقضيها منذ شهور، فلا أخبار «بتمغص» ولا تصريحات «بتحم البال»، ولا مهاترات،ولا مناكفات،ولا وقفات، ولا انقسامات، ولا وعود، ولا تحليلات، ولا مزايدات، والأهم من ذلك،كل الوجوه المستفزة استحالت غباشاً..
سألت الدكتور وهو يلف جهاز الفحص نحو رأسي..الا توجد عندك قطرة لتوسيع البؤبؤ تدوم أربعة شهور أو أربع سنين مثلاُ.. هزّ رأسه سائلاً: لماذا؟..
قلت :بصراحة، لا اريد أن ارى وجه وطني الحزين... أنا مشتاق جدا جدا لأردننا القديم...يا دكتور..فهل تبصرنيه!!!.