احدى الحقائق المرفوضة بديهياً هي ان القوة تتحكم في مصائر البشر وهي من الأقدار الموجعة التي ابتليت بها شعوب العالم الثالث التي ننتمي إليها.. تلك الشعوب التي لا حول لها ولا قوة في مواجهة الآخر القوي الذي يرى في قوته سبباً لفرض هيمنته وإملاء رغباته حسب ما تقتضيه مصالحه المتشعبة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وغير ذلك، ولتضيع الحقوق وتداس علناً دون ان يكون في المستطاع استرداد شيء منها!!.
للقوة قول غير الذي نقول.. وهي التي تفعل الفعل الشنيع الذي لا نقبل به.. ولكنه يفرض فرضاً على الضعفاء الذين يلوذون بالصمت تجنباً لويلات هم في غنى عنها، وقد يقبلون بطروحات القوي علماً بان الرفض والقبول في نظر القوي سيان لانه المدرك تماما ان تحقيق رغباته انما هو تحصيل حاصل لا يحول دونه حائل!!.
لهذا.. نحن على يقين من ان اسرائيل ما كانت لتفعل ما فعلت لولا قوتها المدعومة بقوة اكبر منها واغشم.. ونعلم ايضا اننا لو كنا نوازيها قوة وعلما لكان في الامر شيء آخر ونقر بأننا قد لا نوازيها في قوة هي ماضية في مضاعفتها لتحفظ لنفسها التفوق على كل من حولها.. لذلك رأينا ان السلام الاستراتيجي «الاضطراري» لا بديل عنه وان الحرب مع اسرائيل شيء لا نتمناه لا خوفا من الهزيمة المؤكدة بل تحسبنا ومنعا لاحتلال المزيد من ارض العرب.
هذه الحقيقة المؤسفة هي قدر علينا مواجهته، غير ان ما يؤسف له اكثر - وبألم بالغ - هو انعدام المسؤولية الدولية ازاء ما يحدث.. وانعدام التشريع الدولي - الذي ان وجد شيء منه - فهو ايضا مشلول وغير نافذ وذلك انسجاما مع ما ذكرت سابقا وهو الخوف من القوة، فغياب القوانين الدولية او تغييبها.. او عدم العمل بها يشي بتواطؤ خطير مفاده تقسيم الغنائم بين الأقوياء.. غنائم تستحلب من دماء الضعفاء دونما فعل حقيقي يحفظ للإنسان المساحة الممكنة على وجه هذه الارض ليمارس حقه الطبيعي في تقرير مصيره بعيداً عن إملاءات الآخرين!!.
نستطيع القول إزاء هذا ان العالم كله يمر بأزمة قيم ادت به الى الصمت ازاء ما يحدث في فلسطين من نهب للأرض وزرعها بالمستوطنات اللاشرعية وانتهاك حقوق الانسان على مرأى من جميع دول العالم القوية والتي نستطيع بجرة قلم تغيير هذا الواقع المرير الذي يندى له جبين التاريخ والذي سيحمل بين طياته كل هذا الخزي والعار.. لحصار مستمر تملك فيه اسرائيل وحدها قرار التجويع والتجهيل والموت والدمار!! حصار تملك هي فيه الجو والبر والبحر لتحول دون الغذاء والدواء بينما تزدهي بالنفط والغاز العربي ولا تجد من يمنع عنها ما تمنعه هي عن المحاصرين.
كل هذا وغيره لا يسترعي انتباه العالم!!.. بل ان القرارات التي تصدر عن هيئة الأمم بشأن حقول الضعفاء تظل قرارات غير نافذة.. ونجد ان من يوقفها هم الاقوياء دون ان تحظى بأي قدر من المتابعة من أي جهة كانت كما حدث للجنة تقصي الحقائق في كارثة اجتياح جنين!.
يُمنع الضعفاء من حق الدفاع عن النفس ومن التزود بما يحتاجون اليه لمواجهة القوي.. بينما القوي يفعل كل ما يريد دون ان يجد من يقول له قف!.. ويزداد القوي قوة ويزداد الضعيف ضعفاً.. وتصمت الهيئات الدولية.. وتبارك بتقاعسها ما يقوم به الاقوياء في ساحات الضعف والانكسار!! أفلا نسمي هذا ازمة قيم؟؟.
ما احوج العالم لاعادة النظر من جديد في سلوك الافراد الذي اضحى بحاجة ماسة الى تقويم لما يقومون به من عنف على الآخرين.. هؤلاء الذين سيتقلدون ربما مواقع صنع القرار مستقبلا ولكي لا يكونوا اداة عنف على الآخرين.
laylaalhmoud@yahoo.com
الرأي