بدل الإفراط في البكاء ونثر جمر الاتهامات في كل اتجاه فقد كان على النظام السوري أن يغلق نوافذ بلاده وأن يحصنها قبل أن تهب كل هذه العواصف العاتية على هذه المنطقة وكان عليه أن يرى كل هذا الذي يجري في سوريا وفي الشرق العربي كله في وقت مبكر جداً وعلى غرار ما فعله الملك حسين ,رحمه الله, الذي أدرك أن هناك استحقاقات قد أصبحت لازمة وضرورية فاتخذ قرار الإصلاح والعودة إلى المسار الديموقراطي في العام 1989.
ما كان على الرئيس بشار الأسد أن يطرب لأهازيج التزلف وأن يستمتع بمهرجانات هز الأرداف وأن يغطي عينيه بيديه حتى لا يرى ما يعانيه شعبه وحتى لا يرى أيضاً التحديات التي تنتظر بلده والمنطقة كلها وما كان عليه أيضاً أن يضع سبابتيه في أذنيه ويرفض الاستماع إلى النصائح التي كان يزجيها إليه الحريصون على سوريا وعلى شعب سوريا وليس على نظامه بأن عليه أن يرى أن وراء الأكمة ما وراءها وأن يبادر إلى التغيير قبل أن يجري تغييره هو ونظامه بالقوة.
إن أهم القادة هم الذين يرون ما بخبئه المستقبل قبل سنوات وعقود ,والحديث النبوي الشريف يقول :»الرائد لا يكذب أهله», وحقيقة أن الرئيس بشار الأسد قد أثبت أنه ليس من صنف هؤلاء القادة عندما بقي ينام على حرير كذبة «الممانعة والمقاومة» التي هي اختراع إيراني بالأساس بقي حزب الله ومعه قادة بعض الفصائل الفلسطينية ,والمفترض أن الكل يذكر مهرجان مخيم اليرموك الشهير, يعزفون ألحانها على طريقة وزير إعلام أدولف هيتلر جوزيف فريدريك غوبلز وبقي يتكئ على أرائك أنه الرقم الصعب إلى أن فاجأته الأحداث التي انطلقت من درعا بعد ما ارتكبت أجهزته الأمنية من الحماقات ما حول حادثة كان بالإمكان تطويقها إلى كل هذه الثورة العارمة التي تجتاح البلاد من دير الزور والبوكمال في الشرق وحتى اللاذقية في الغرب.
إنه أمر طبيعي أن يغري كل هذا الذي يجري في سوريا الدول التي لها مصالح وأطماع في هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية وإنه أمر طبيعي أن تمد المعارضة السورية يدها إلى هذه الدول عندما يبادر نظام الرئيس بشار الأسد فور انفجار هذه الأحداث المتأججة في الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي إلى استخدام العنف المفرط بكل أشكاله ضد شعبه وعندما يبقى يتحايل على كل الصادقين ,عرباً وغير عرب, الذين نصحوه ألاّ يتبع الأساليب التي اتبعها ويبقى يسعى لشراء الوقت للقضاء على هذه الانتفاضة بالقوة العسكرية.
كان على هذا الشاب ,الذي كانت فاجأته مسؤولية قيادة بلد ينام فوق ألغام كثيرة مدمرة كما فاجأته هذه الأحداث التي مع أنها أصبحت ثورة حقيقية إلاَّ أنه لا يزال يصر على عدم الاعتراف بها, أن يدرك منذ لحظة انتقاله إلى قصر الرئاسة في المهاجرين أن نمط الحكم الذي ورثه عن والده هو ومعه نظام كيم جونغ إيل في كوريا الشمالية آخر الأنماط الستالينية الديكتاتورية في العالم وأن عليه أن يهرول هرولة للتعلق بقاطرة الألفية الثالثة ويبدأ بتجفيف مستنقع غدا آسناً ورائحته تزكم الأنوف.
والمؤسف أنه لم يفعل هذا وأنه لم يلتقط إشارات المستجدات التي باتت تزحف على سوريا والشرق الأوسط وأنه بقي يرخي أذنيه لسماع أنغام التزلف التي يعزفها الانتهازيون من الداخل والخارج وبقي يعيش أوهام الهلال الفارسي كما بقي مقتنعاً بإمكانية تعميم الحالة اللبنانية على كل دول ما يعتبر الهلال الخصيب ومن بينها العراق الذي كان عليه أن يفهم درسه جيداً منذ مغامرة غزو الكويت بدون أوهام وبنظرة واقعية بعيدة عن الترويج البائس وتبخير المبخرين.
ومرة أخرى إنه أمر طبيعي أن تستدرج هذه الحالة التي غدت تعيشها سوريا ,والتي كان بالإمكان تفاديها منذ اللحظة الأولى بالتعاطي مع حادثة أطفال درعا بغير ذلك الأسلوب الاستخباراتي الاستعلائي والإجرامي, كل ضباع الأرض وكل الدول الطامعة التي لها مصالح في هذه المنطقة والآن وقد حصل ما حصل وقد سبق السيف العذل فإنه على من أوصل الشعب السوري العظيم إلى الاستنجاد بالخارج ليحمي أطفاله من كل هذا البطش الأرعن أن يدفع الثمن وهو سيدفع الثمن بالتأكيد ولن ينفعه نعيق المستمرين بعزف مقطوعة «الممانعة والمقاومة» الكاذبة أساساً وغير الصحيحة... فـ»يداهُ أوْكتا وفوهُ نفخ»!!
الرأي