التاريخ : 2010-10-27
هيبة الشاشة...
الرأي- كانوا شركاءنا في كل شيء ..في غرفتنا الضيقة ،المشغولة في الفوضى المكتظة باللوازم الشتوية،المفروشة بالكتب المدرسية، بضعف الكهرباء المفاجىء وتغير حجم الصورة ، بالتشويش الناتج عن البرق ...باهتزاز الشجر خلف النافذة ، بالبخار المتعرّق على الزجاج، بكيلو الهريسة المعبأة في كيس ورقي، في التسابق على تلحيس الزاوية الضيقة من الكيس بعد التهامه..لقد كانوا شركاء في كل شيء..
أصواتهم لم تزل تتهادى في أسماعنا كأنها الآن..ابراهيم شاهزاده، عدنان الزعبي، غالب الحديدي، سوسن تفاحة، فخرى عكور، علي أسعد، وعفاف قضماني..ساعة العقارب التي تظهر قبل الأخبار التي نضبط ساعاتنا عليها ، والكرة الأرضية الملساء التي تلف من زاوية الشاشة الى الزاوية الأخرى قبل ان تظهر كلمة أخبار بالخط البارز .. لم تزل حاضرة امام عيني الآن...
لا نستطيع ان ننساهم او نتناساهم ،لأنهم جزء من ذاكرتنا جزء من تكوين الطفولة والحدث والعمر، جزء من البيت البسيط المؤثث بالدفء والسكون وتوشيبا الأبيض والأسود، وصوبة الفوجيكا، وتنكة الفاصولياء، والمساطر، وابريق الكاز، ومفتاح التغيير ابو 6 طقات ..لا نستطيع أن ننساهم أو نتناساهم لأننا شربنا أصواتهم على مهل، فأدمنّا الخبر،عودونا على الجميل ، فلم يعد يعجبنا دون ذلك ..
لا نستطيع ان ننساهم أو نتناساهم لأن الساعة الثامنة هي التوقيت الذي ينامون بعده ويصحون قبله الختيارية، وهو الموعد الفاصل «للاعبي الشدّة»، وشباب الأعراس، والخاطبين، والحبّيبة، والعائدين من عمان مع آخر تكسي أو «بكم» ..لا نستطيع ان ننساهم او نتناساهم لأنهم هيبة الشاشة، وللمذيع طلّة تشبه طلّة الزعماء..
***
في عمر 6 سنوات قرّرت الاقتران بسوسن تفاحة –هكذا من طرف واحد- بعد ان تعلّقت بها من خلال الشاشة ،فكلما قدّمت نشرة أخبار كانوا ينادونني «تعال خطيبتك طلعت»..اقف أمام التلفزيون ابتسم لها وأغيب ، وبهذا الغرام التلفزيوني دخلت كتاب جينيس بأطول فترة خطبة بالتاريخ، 30 عاماً مع القناة الأولى.
***
رحلت عفاف قضماني ، الوجه الجميل والصوت الأجمل؛ شريكتنا في البساطة والفقر والغرفة المشغولة في الفوضى واللوازم الشتوية..وقبل عفاف قضماني رحلت اشياء كثيرة جميلة..
<