التاريخ : 2015-01-09
رساله من حائط في الكرك إلى حائط في دير غبار ..!!
الراي نيوز-السلام عليك يا صديقي ...
أنا أعرف أن الحيطان مختلفة في وطننا الأردني , اعرف أن هناك حيطان مسلحة واخر مكسوة بالحجر الأصلي والكرميد..وأنا حائط في قرية صغيرة في الكرك لو قلت لك إسمها لن تعرفها , ولكن سأشكو لك بعض أوجاعي فالبشر لم تعد تسمع عل الحيطان تسمع ...
أنا (أنز) وأستر خلفي عائلة عبثا تحاول أن تحمي نفسها , وأنا أحاول أن لا أسرب صقيع الشتاء , ولكني يا صديقي أفشل , فأنا مجرد طوب مكسو بالأسمنت , أما انت يا أخي الحائط القابع في دير غبار , فمختلف عني ..أنت يوجد بداخلك مواد عزل مكلفة وباهظة الثمن وإسمنت مسلح ومكسو بالطوب ...واضافو عليك مسحة جمالية إسمها (التكحيل ) وأنت لا تسرب الهواء ولا الصقيع ...أما أنا فاعذرني لقد قام صاحب المنزل ببنائي عبر قرض من بنك الإسكان , ولأجل رخص التكاليف لم يستعمل الباطون بل وضع الطوب , ولأجل توفير الثمن من أجل صنع الأبواب لم يضع العزل ...ولأجل أيضا أن يستر وجهه مع العائلة وأن لايقولوا أنه توقف عن البناء كساني بقليل من الرمل يسمى (القصاره ) ...وتركني من دون طلاء .
أنت محتلف عني يا حائط دير غبار تتكيء عليك سالي , وتتكيء سوزان ..ولؤي وزينوك باللوحات والشموع , وربما زخرفوك , وأيضا قاموا بطلائك بأفخر أنواع الدهان وربما ورق الحائط ....أتعرف من يتكيء علي أنا :- قفطان ...وهو بالمناسبة طالب في الصف الرابع الإبتدائي وصدقني أني أخجل من نفسي فالطوب الذي احمله ويحملني بارد وأخاف على جسده الغض , وأراه في كل لحظة يبتعد عني خوفا من برودتي , وفاطمة هي بنت في الخامس الإبتدائي (ب) هل تصدق أنها أحلى البنات في بر الجنوب , وهي لا تملك شيئا سوى لوحة بسيطة رسمتها لقلعة الكرك ..وعلقتها علي , وللأسف حتى لوحة بنت في الخامس الإبتدائي لا استطيع حملها فبفعل الرطوبة , سقطت وذاب اللاصق ..لقد خذلت فاطمة .
والطفل الأصغر يعقوب , هو في الصف الأول , ووالده يلفه في فروته , وحين أراه أحزن على برده , واقول في داخلي أني مستعد أن أحترق ....ولكن ما تراه من ماء ينز في جسدي والزوايا والجوانب هو ليس ماء هو دمع ...أبكيه على الكرك وهذه العائلة , هل رأيت حجم المعجزات لدينا يا صديقي يا حائط دير غبار ..معجزاتنا وصلت حد بكاء الجدران في الجنوب .
قلي يا حائط دير غبار ..من صاحبك , من صاحب المنزل ..الذي أنت منه , وكيف بناك ومنذ متى ...وهل تحميه من برد الشتاء ؟ ....أنا لا أعرف لكنك حتى ترتفع وتنتصب بهذا الشكل , أظن أنه دفع الكثير من المال ...وأنا حتى أبنى بهذا الشكل أخذ صاحبي الكثير من القروض , وأجزم أنك يا رفيقي الحائط ... من الداخل مزركش ومزين , بالمرايا واللوحات وورق الجدران ...وأنا أبكي الناس في الجنوب ...هم يظنون أني أنز الماء ولكنه ليس ماءا هو دمع الجدران إذ تبكي ...
وأجزم ان الناس تمر من جانبك وتحبك , أنت بناك مهندس عظيم وأشرف على نهوضك مكتب إستشاري...وأنا الذي بناني هو طوبرجي , من الجنوب لا يعترف بقياسات الهندسة بقدر ما بعترف بالخبز ..والحياة والحب .
كم حفلة اندلعت ورائك يا حائط دير غبار كم لحظة فرح ولحظة عناق , أنا تمنيت لو أن خلفي حفلات وفرح ..ولكن حين تنام فاطمة ويعقوب وقفطان لا أسمع سوى همسات الزوجة لزوجها عن طبخة الغد وماذا سيأكل الأولاد ...وأسمع تعب العمر في حشرجات صاحب المنزل , وفي النهاية يتفقون على حلول ...تقشفية ويشكون لبعضهم الالام الأطراف , وضيق الحال ....وأحاول عبثا إيقاف دمعي ولكني أفشل ...
أنت من يسكنون خلفك لا تهمهم نشرات الطقس ولا تعليمات الأمن ..ذاك أن الدفء يغمرهم , أما أنا فرب الأسرة (مواسرجي) وينتظر بفارغ الصبر إنتهاء الموجة حتى يعمل ....وأراههم يتسمرون خلف الشاشة ينتظرون إنتهاء الموجة حتى يخرج الوالد للعمل .
أعرف من بنوك يا حائط دير غبار , وأعرف من أقاموك ...ولكن تذكر أنا على أرض عمرها (3000) الالاف سنه , وعلى تراب في كل ذرة منه قصة تاريخيه ..والمسألة ليست جهود المؤسسات ولا تكاتف الأهل ولا نداءات المواطنين ..القصة هي قصة فقير لايستره فقره من برد العاصفة وقصة غني يستره ماله ولغة الكوميشن وتقاطع المصالح وعلاقات النسب والمصاهرة , ووراثة المناصب هذه هي القصة يا حائط دير غبار ...
يقولون الحيطان لها أذان ..أتمنى أن تكون أذانك قد سمعتني ...وفي النهاية خلفك خلف جدرانك يتخذ القرار ..وأنا خلفي الفقر قرار ايضا ...
المرسل :- حائط من الكرك
عبدالهادي راجي المجالي