التاريخ : 2015-01-20
"سيلفي" مع فاتن حمامة!
الراي نيوز-حنان الشيخ
أغلب الظن أن الحزن على رحيل الفنانة فاتن حمامة، كان شوقا مختبئا بين الضلوع لزمن الحب القديم، وحنينا دافئا متواريا خلف عدسات ملونة، لأيام العشق النقي واضحة المعالم بالأبيض والأسود. فنحن في الحقيقة لم نشاهد الفنانة الراحلة منذ سنوات طويلة في عمل جديد. وبالتالي فقد اعتدنا غياب صورتها على الشاشة والأخبار إلا قليلا من هنا وهناك. لكن علاقتنا بالوجه البريء والابتسامة الأخاذة والصوت الرقيق المنساب كما جدول مياه صغير، كانت مقرونة بأعمالها التي جسدت الحب الذي لا نفتقده هذه الأيام وحسب، بل لا نعرفه حتى! والحب هنا، أو بالأحرى هناك كان له طعم يحدثنا به الآباء وإن كانوا يقولون إنهم ينقلونه عن مشاهداتهم، إنما لا يمكن أن تتخلق هذه الكمية من الصفاء على الوجوه، ويتحرر صوت ثان من الحناجر يشبه موسيقى عمر خيرت، إلا لأنهم جربوا طعم الحب ذاك الذي راح على ما يبدو في طريق لا عودة فيه، إلا لمن ارتأى أن يكون مجنونا أو ساحرا!
فعن أي حب نتحدث هذه الأيام بالله عليكم، ونحن نرى ونسمع وعلى الهواء مباشرة قصص انفصال 'مسخرة' تكتب نهايات سريعة، لبدايات لم تتنفس بعد هواء النوافذ. أهو الحب الذي يتباكى به عشاق الثانية عشرة ليلا على أثير الإذاعات وهم يرتجون طبطبة مذيع متفرغ للاستماع وتلبية الأغاني الملائمة للموقف. أم 'بوستات' الدمار والسعار وما يليها من صور أسرة المستشفيات أو الاستناد على الحيطان، والملتقطة بطريقة 'السيلفي' التي تمتلئ بها صفحات التواصل الاجتماعي حاصدة عشرات الإعجابات بحالة اليأس والذبول!
من جرب من عشاق هذه الأيام أن يقع فريسة الكذب المتكرر لموعد غرامي، لا يمكن أن يأتي أبدا، فيضطر أن يمشي وراء حبيبته سرا ويواجهها بحقيقتها الـ'حلو وكداب'؟ من منهن يرقص قلبها اليوم على فستان هدية وتملأ الدنيا مرحا بـ'ضحكتها الجنان' وتظل ممتنة لمقدمها لأكثر من ربع ساعة؟ للأسف بل للحسرة أن شيئا من ذلك لا يحدث إلا نادرا ومع أصحاب القلوب التي يطلق عليها ضعيفة. فلا أحد على استعداد أن يتعب ويشقى وراء حب نقي طاهر، طالما السوق مفتوحة على الغارب لكل أصناف الهوى وما يشتهي. والذي يعتقد أن مثل تلك الحكايات لا تنتهي بالزواج فهو مخطئ، إنما الواقع يحتم علينا أن نعترف أنه زواج في الغالب فاشل. في المقابل ولا واحدة على استعداد أن تقيم علاقاتها باتزان عاطفي وعقلي معا، حيث التفاصيل المبعثرة هي سيدة الموقف، والموقف في العادة لا يتسع لاثنين لإبداء الرأي أو إطلاق الحكم. بصراحة لا يجب أن يسخر أي منا من أحاديث السيدات الجميلات والرجال الأنيقين الذين عايشوا تلك المرحلة، لأنه من الواضح أن جزءا كبيرا من حالة الاستغراب والدهشة والسخرية أحيانا مردها قلة الحيلة!
فاتن حمامة لم تقتصر أعمالها على الجانب العاطفي فقط، فأربعة وتسعون فيلما وغيرها من الأعمال الدرامية والإذاعية كانت مشتعلة بالأفكار والطموحات والتغيرات الشاملة لكثير من نواحي الحياة، ولو أنها لم تقترب من خط السياسة الساخن. ربما لهذا بقيت حتى آخر أيامها رقيقة شفافة جميلة. لكن وفاتها السبت الفائت فتحت جروحا عميقة في أدمة الوجدان. ووضعنا مباشرة أمام صورنا الالكترونية المتشابهة جدا. لنكتشف أن أيا منها لا تصلح أن تكون 'سيلفي' مع فاتن حمامة!