التاريخ : 2015-12-08
عبد الهادي راجي يكتب : ليس بدافع التحريض ..
عبد الهادي المجالي خاص" بالراي نيوز"
أنا لا أنقل المشهد بدافع ...التحريض , بل بدافع شرح الحال والإجابة على سؤال مفاده إلى أين وصلنا ؟...لدي ساعة , مطلية بالذهب ..ثمنها تقريبا (250) دينارا تلقيتها في نهاية , التسعينات كجائزة عن أفضل تحقيق صحفي أقامته مؤسسة إعلامية ...
ولأن الساعة ذكرى لمرحلة كنت فيها أنتقل من سجن لاخر , ومن زنزانة لأخرى قررت صيانتها ...ولي جار وصديق لديه محل ذهب في البلد ..قلت في داخلي لأني مجاز , سأذهب مشيا على نبض قلبي إلى البلد ...فدخلت لصاحبي , في المحل وأعطيته الساعة , كي يعيد صيانتها , ويركب (الكستك) من جديد ...
جلست عند (أبو حميد) وطلب لي القهوة , وأرسل أحد العمال إلى محل اخر لجلب بطارية , تصلح لساعة من نوع (جوفيال) ..ثم تبادنا الحديث ...لحظات ودخلت سيده يبدو أنها موظفة في القطاع العام , هندامها بسيط ولكنه مرتب , ثم بدأت بالحديث مع صديقي بطريقة(الوشوشة) وكأنها خجلة من وجودي...وأخرجت خاتما قديما ....من جيبها , ملفوفا , بقطعة قماش ..أخذه صديقي صاحب المحل ثم قام بوضعه على ميزان الذهب ...ثم قال :- (بقدر أدفع 75 دينار) ...ثم بدأت بحديث غاضب وأقسمت أنا قامت بشرائه (275) دينارا..بعد ذلك بدأ جدال بينها وبين صديقي , وأنا صمت ...لكن في لجة الجدل أحسست بدمعتها ..تخالف محجر العين , بين إنحسار وبين انسكاب ...وصديقي لاحظ ذلك وخوفا ..من كسر خاطرها قال لها :- (100) دينار ...ثم أخذت المبلغ وغادرت ..
طويت المشهد وعدنا للحديث عن العمل والأولاد ...لحظات ودخلت سيدة أخرى ومعها طفلها ...تقدم (أبو حميد ) منها ...وبنفس الطريقة أخرجت مجموعة (سليتات) ...- هكذا يسميها تجار الذهب- وعرضتها عليه ... قال لها:- إن نقشها قديم وتحتاج لإعادة صهر أو صياغه , لا أعرف التفاصيل ولكنها متعلقة ...ربما بإعادة تشكيل الذهب ...ثم قام بوزنها , وقال لها :- (450دينارا) ...بنفس الطريقة وبنفس الحدة ...التي مارستها السيدة الأولى ..جادلت هذه السيدة( أبو حميد) ونسيت طفلها الذي خرج للشارع ..ولولا أن لحقته وأحضرته ربما لضاع بين السيارات ..وحين عدت بالطفل ..شاهدتها تخرج فاتورة شراء , وتقسم أنها إشترتها بـ (1000) دينار ..رد عليها صديقي :- (هاظ اللي عندي أنا اسف) ...لا أريد أن أبالغ ...ولكنها لم تمسك الدمعة , الأولى حبست الدمعة ..وتلك السيدة سالت دمعتها ..وهي تشتم صديقي ..وتصفه بأنه ..يبخس الأشياء , ثم عممت ..حديثها ...
ولأن المشهد كان مؤلما , ولانها سيده أردنية من طين ورمل وماء هذا البلد ..إتفق معها صديقي ..أن يأخذ (السليتات) ...ويعطيها (500) دينار , وقطعة ذهبية ..هو الاخر شكى لها أيضا , وقال :-أنه لايملك (كاشا) ...
غادرت وجلست مع صديقي أسأله عن الحالات التي واجهها...أخبرني :- بأنه في اليوم الواحد يقابل (10) نساء على الأقل من هذه الشاكلة , وكلهن يأتين بفواتير المجوهرات وكلهن يردن البيع ..وكلهن , يملكن نفس الدمعة التي تترنح بين الجفن والعين ...قال لي (أبوحميد) أيضا :- أنا في المهنة منذ (27) عامل ولكني لما اشاهد حركة بيع ذهب مثلما نمر بها هذه الأيام ...
حسنا ..جزء كبير من الأردنيات , يدخلن بخجل على محلات الذهب لبيع ..ما يملكن من مصاغ قمن بحفظه من ليلة الزواج ...يقبلن تحت ألم الحاجة والظرف والوضع الصعب ...ماذا يعني عجز الموازنة أمام دمعة أردنية حرة.؟..طز في الموازنة ...ماذا يعني الترخيص ..أمام حاجة بنت حرة لبيع ذهبها من أجل مساعدة الزوج ...طز في الضرائب ...
.بناتنا ؟؟ ألسنا نحن الذين قاتلنا في باب الواد والشيخ جراح واللطرون لأجل جدائلهن؟ ...ألسنا نحن الذين نزل عسكرنا إلى شوارع عمان وطحنوا الفك بالفك وقابلوا الرصاص بالرصاص حتى لا تمس جديلة واحدة منهن الضيم
..الأردنيات ..من السلط والكرك ومعان والطفيلة وإربد ....ألسنا نحن الذين نكتب فقط لأجل أن نكون كتابا في عيونهن ...ونذهب للعسكرية حتى تعمدنا قلوبهن أبطالا ..وهن اللواتي سال دم وصفي حناءا لجدائلهن في القاهرة ....
هل هكذا يصبح حال بناتنا ؟..دمعات حرى على بوابات محلات الذهب ..لأجل ماذا سياسيات إقتصادية ؟...طز في السياسات الإقتصادية ...لأجل ماذا ...تبرير شروط البنك الدولي ؟..يلعن ابو البنك الدولي ...
ذبحني المشهد ظهر هذا اليوم ..قتلني من وريدي حتى وريدي ...وأحسست نفسي شريكا في المؤامرة ..أحسست نفسي كاذبا ..فكل ما كتبناه على مدار (20) عاما هو كذب في كذب من كذب ....كله لايعادل دمعة التي نسيت وليدها ..وهي في لجة الغضب ...ولولا أني لحقته وأحضرته لدهسته عجلات السيارات ...
ويصرح وزير الإعلام الوسيم ...قبل أيام قائلا :- ( نملك الجرأة لنتراجع عن قراراتنا) وماذا عند دمع الأردنية ...هل يعود الدمع إلى محجر العين إن سال؟ ..هل تستطيع معالي الوزير أن تعيد دمعها؟ ...ماذا عن ذكريات الزواج ؟...عن عشق الأردني وهو قادم حاملا في يديه للخطيبة ..مهرها ؟ ماذا ..عن صدرها وكيف تزينت بالذهب ذات يوم , لأجل أن ترى بنات العشيرة ...حجم غرام الزوج ودلاله وكيف زنرها بالذهب ...
إني متعب ..مثلي مثل كل الناس , يجتاحني وجع وأخاف على وطني ..مثل خوفي على عيون أولادي وعلى كل دفقة إشتياق فيهم ....ولكن كل كلمة كتبتها من (عشرين) عاما إنهارت أمام دمع الأردنيات .....
وكل بطولاتنا التي أنتجناها منذ لجظة تأسيس الدولة ...لم تكن لأجل سكب الدم بل كانت , لأجل أن نعود لقرانا في المساء وتشهد لنا بنات العشيرة بأننا رجال ...كانت زغرودة من فم أردنية , تحرك كتيبة عسكرية كاملة ..ولا تعود دون أن تنجز المهمة ....حتى عشائرنا , إستبدالنا أسمائها ..بنخوة البنات :- ( خواة خضرة , خوات صبحا , خوات سلمى ....الخ)
قبل أن يردوا رسوم الترخيص ..لدي سؤال برسم القلق والوجع والخوف ..هل تستطيعون أن تردوا دموع الأردنيات إلى المحاجر ...مثلما ردهن وصفي وحابس واستبدلو البكاء بالفرح ...هل تستطيعوا ؟....
إني خائف ..وخائف جدا على وطني .