التاريخ : 2015-12-20
الله يعمي عنك
احمد حسن الزعبي
كان يلفت انتباهي في محلات بيع الجملة ، تلك المفاوضات التي تجري بين تاجر المفرّق وتاجر الجملة «الوشوشة» ،»الأخذ ع جنب» والتتبع واختيار الفرصة المناسبة للحكي ب «جوز كلام» واحيانا اللجوء للرموز في حضور تجار آخرين ، ثم التأشير بأصبعين ونصف من وراء أحد المنهمكين بتقليب البضاعة ليردّ صاحب محل الجملة بصوت مرتفع : « لا والله ما بتوفي»..»بعمر أولادي ما بتوفي»! وهذا تطمين مبطّن لباقي التجار ان لا خصوصية لتاجر دون الآخر...
لكن أكثر ما كان يلفت انتباهي صيغة الدعاء من تاجر الجملة إلى تاجر المفرّق ،حيث تختلف درجة الدعاء وأولويته بالنسبة لتاجر على باب الله ...فبعد تحضير البضاعة إذا كانت مواد تموينية عادية او إكسسوارات أو غيرها بأكياس زرقاء سميكة ويهم بائع المفرق بحملها على كتفه يقول له تاجر الجملة : «الله يجبر عنّك» وهذا العبارة فيها أمنية قلبية ان يتم بيع البضاعة بأقرب فرصة ممكنة وتصريفها بربح وفائدة...هذا الدعاء ما زال متداولاً بمحلات الجملة التي تبيع البضاعة بشكل قانوني إلى الآن ...لكن في المحلات التي تبيع بضاعة مهرّبة من ملابس وسكريّات ومنظفات وحلويات ودخان أجنبي كانت يختلف من حيث الصيغة ...فبعد تحضير البضاعة بأكياس سميكة سوداء ويهم بائع المفرّق بحملها، يقول له تاجر الجملة : «الله يعمي عنّك»!...بمعنى ان تتيسّر أمورك وتفلت من دوريات الجمارك ومكافحة التهريب كي لا يروا ماذا بداخل أكياسك السوداء...وتأتي درجة هذا الدعاء أعلى من درجة «الله يجبر عنك» القانونية!! ...حيث الأولوية أن يغشى على عين الجمارك، ومن ثم باقي المهمة سهلة وتصريفها هيّن والربح فيها مضمون...
في الرمثا كانت عبارة «الله يعمي عنك» هي أكثر عبارة متداولة بين تجار الجملة وتجار المفرق ولا أذكر أننا كنّا من جماعة «الله يجبر عنك» في يوم ما ..كان هناك توقيت لوصول الحلويات والملابس الشامية وتوقيت لبيعها وشحنها الى خارج المدينة ..وهناك توقيت لوصول الدخان ..ومواعيد آمنة لاستلامه وبيعه والحديث عن سعره برمزية لا يفهمها الا ابن الكار نفسه..مع بقاء القاسم المشترك بين البائع والمشتري كلمة السر الأليفة والودودة : «الله يعمي عنك»..
**
قبل يومين كنت أهم بركوب سيارتي متوجها إلى عمان..مر قرّبي أحد الرماثنة الظرفاء وقال بعفوية وحرارة، أتابع كل ما تكتب...شو بدي أقلك غير : «الله يعمي عنّك» يا خالي...يااااه منذ أن أغلقت الحدود مع سوريا لم اسمع هذه العبارة على الإطلاق ...فعرفت ان «تهريب الكلام « هذه الأيام صار أصعب بكثير من تهريب البضاعة!