التاريخ : 2016-01-09
الفكرة المبدعة سبيل رقي ألأوطان قطر والإمارات أنموذجان!
الراي نيوز- بقلم: شحاده أبو بقر
صحيح أن المال هو عصب الحياة في عصرنا الراهن , لكنه لا شيء إن لم يقترن بالفكرة المبدعه , لا بل هو عندها نقمة بدل أن يكون نعمه , والشواهد الدالة في عالم اليوم أكثر من أن تحصى بين من يملكون الكثير وينجزون القليل , ومن في المقابل يملكون القليل وينجزون بتفوق .
في عالمنا العربي مثلا , هناك دولة قطر , بلد صغير مساحة وسكانا إمتلك الثروة حديثا , وكان يمكن أن ينتظر خمسين سنة كي يصير رقما في إقليمه وعالمه إعتمادا على المال المجرد وحسب , لو كانت مسيرته روتينية لا إبداع فيها , وبالقياس ذاته , هناك دولة الإمارات العربية المتحده , مجموعة إمارات صغيرة مساحة وسكانا كذلك , إمتلكت الثروة في وقت أسبق من قطر , وكان يمكن أن تعيش حياتها بلدا عاديا كأي بلد آخرلو لم توظف الإبداع وسيلة للتطور .
كيف صارت قطر والإمارات الشقيقتان رقمين صاعدين عربيا وعالميا , والجواب هوأن كلا منهما إختار لنفسه نهجا إبداعيا قوامه فكرة عظيمة مبدعة وظفها بكفاءة عالية حققت له ما يريد وبكفاءة عالية كذلك , ولم يتوقف أو يهتز أمام المصاعب والمنغصات والمعيقات وإنما تحداها ونجح بالضروره .
قطر مثلا إختارت ووظفت ' الفكرة الإعلامية المبدعه ' , فأسست فضائية الجزيرة التي تعرضت وما زالت إلى سيول من التشكيك والرفض وحتى العداء , لكنها لم تلفت إلى الوراء أبدا ,ونجحت وبإمتياز في وضع قطر في موضع متميز على خارطة الكوكب , ويكفيها بثها بكل اللغات الحية في سائر أرجاء المعمورة حاملة إسم دولة قطر بقولها مئات المرات كل اربع وعشرين ساعه , ' قناة الجزيرة من قطر ' , وبمنهج إعلامي صار بمقدوره ألإسهام حتى في إسقاط أنظمة ظالمة وإنصاف أخرى , ويحسب لها ألف حساب .
ألإمارات العربية المتحدة وظفت هي ألأخرى فكرة إبداعية عظيمة هي ' الفكرة الإدارية المبدعه ' , فأرست نمطا متقدما جدا من الإدارة الحديثة يفوق إبداعيا مثيله في أرقى دول الارض وأكثرها تقدما , وصارت بالتالي وجهة كل الباحثين عن الشهرة والثروة والدقة والأنضباط وسيادة القانون والنظام , وتجدر الإشارة هنا إلى إمارة دبي بإمتياز , حيث ألأفكار المبدعة لسمو الأمير محمد بن راشد وإصراره الواثق على تحقيق التميز بإقتدار .
في المقابل , نقف اليوم أمام السعودية الجديدة لو جاز التعبير , حيث يجري وبتسارع منتج , توظيف ' القرار السياسي الإبداعي الجريء ' سبيلا لتعظيم حضور الدولة السعودية ليس إقليميا وحسب , وإنما عالميا كذلك , وهو ما يتحقق الآن وبوضوح تام , وإذا ما واصلت السعودية هذا النهج ولم تلتفت لمحاولات المشككين , فأن شأنا عظيما بإنتظارها في زمن غير بعيد .
أردنيا , لدينا الأنموذج الإبداعي تاريخيا بشهادة العالم بأسره , فلقد حقق الأردن الصغير مساحة وسكانا وفوق ذلك محدودية الثروات وجسامة وكثرة التحديات, منجزات على الارض تفوق ما حققته دول كبرى قياسا ومقارنة بالمقدرات , وليس سرا أن جلالة الملك عبد الله الثاني , يدرك جيدا معنى وإثر الفكرة الإبداعية في بناء الدولة الأنموذج , ومن هنا فقد بدأ عهده بفكرة إقتصادية إستثمارية في مدينة العقبة التي أرادها مصدر إلهام إبداعي لكل الأردن , وسعى حثيثا وما زال لتعظيم الإستثمار بالأنسان , وبالذات الشباب , وهو لا يمل البحث عن الفكر الإبداعي لا بل ودعمه , إلا إن المشكلة الاردنية المعيقة تتمثل في عدة عوامل من أهمها .
أولا:
التحديات الإقليمية الضاغطة وتحدي الإحتلال الإسرائيلي وجسامة الإستحقاقات المترتبة على كاهل الدولة الاردنية جراء ذلك .
ثانيا :
كثرة المشككين في الداخل , والذين يسعدون بمجرد النقد والتشكيك دون أن يقدموا يوما إقتراحا إبداعيا قابلا للنقاش كوجهة نظر تحترم .
ثالثا :
سطوة بريق المناصب التي صارت أشبه ما تكون بداء يصيب السواد الأكبر من النخب إن لم يكن كلها , وهو داء يفرز أعراضا مرعبة ومحبطة من بينها شدة التنافس والتزاحم التي تجعل كل حكومة تتشكل نهبا للإشاعات والنقد والتجريح مباشرة فور فراغها من أداء القسم ,وبالتالي تغدو مهمتها الاهم هي الدفاع عن نفسها بديلا للإنشغال بالتفكير أو العمل من أجل الإنجاز .
رابعا :
إنحسار توفر نمط حقيقي فاعل من رجال الدولة الذين كانوا تاريخيا , وظهور نمط جديد في المقابل من ' نخب ' همها الأول وحتى الأخير إقصاء من هم في الحلبة والحظوة بمواقعهم إن أمكن , وإلا فهم سبب الفقر في كل شيء .
أخيرا وليس آخرا , ضعف الإبداع الإعلامي الذي يحسب ألف حساب لكل حرف وكلمة أمام سطوة وعلو أصوات المشككين في كل شيء من أصحاب الطاقات الصوتية العالية , وهي رأس مالهم الأوحد , ومع ذلك فهم المهيمنون وحدهم , وهم من يحددون المسار حتى لو كان خاطئا .
بإختصار , من يهتدي إلى حقيقة أن الفكرة الإبداعية العظيمة هي ثروة الثروات وأمها وابوها , ومن يركب الصعب في تنفيذها غير هياب ولا ملتفت لمشككين معيقين للحركة وللحياة , هو وحده من ينجز وينجح ويتميز قبل غيره , أما من يسلم ذقنه للتقليديين ويحسب حساب المشككين ويراعي كثيرا مشاعرمن لا إبداع في حياتهم , فلن يكون بمقدوره بلوغ ما يتمنى إلا بشق الأنفس هذا إن إستطاع , والله من وراء القصد .