التاريخ : 2016-01-16
خطيئة مجلس النواب!!
الراي نيوز-بسام حدادين
الصورة التي خرجت من مجلس النواب في جلسة إقرار الموازنة الأسبوع الفائت ، أساءت للمجلس وللتجربة الديمقراطية الاردنية النامية. كاميرا التلفزيون الرسمي الاردني والبث المباشر ساهما بشكل مباشر في تصنيع هذه الصورة وإدخالها الى كل بيت.
انا لا أقلل من الفلتان والفوضى غير الخلاقة التي سادت في الجلسة و التي تجاوزت كل معايير الديمقراطية البرلمانية والنظام الداخلي والأعراف البرلمانية. لكنني على قناعة تعززها تجربتي البرلمانية من ان وجود الكاميرا والبث المباشر للجلسة شحنا الجلسة وجعلا بعض السادة النواب يخرجون عن اطوارهم نحو اللامعقول . ودعونا نتذكر ان هذه الجلسة هي اخر جلسة لمناقشة الموازنة والتي يستطيع من خلالها النائب إرسال رسائل مباشرة الى قاعدته الانتخابية وأننا في سنة الانتخابات النيابية التى يسخن فيها دم الراغبين في الترشيح حد الفوران.
دعوني أقول بان من حق النائب ان يخاطب قاعدته الانتخابية والدعاية الى نفسه او حزبه وهذا حق مشروع يحدث في كل برلمانات الدنيا ومحاولة اقتناص الكاميرا والمكريفون أيضاً عمل مشروع لكن وفق النظام والاصول ولا بأس من حركات استعراضية شريطة ان لا تفسد الذوق العام وتخل بسير مجريات الجلسة. مع يقيني ان بعض الحركات والاستعراضات تضر ولا تنفع.
أعود الى وجود الكاميرا والبث المباشر للجلسة ، فهذه خطيئة يتحمل مسؤليتها مجلس النواب وليس الحكومة ، لان الحكومة بين نارين ، إذا غيبت الكاميرا ستتعرض لنقد قاس وستتهم بالتهميش وان حضرت الكاميرا ستتعرض لنقد قاس وهجموم حاد من خصومها وأصدقائها على حد سواء فاختارت مسايرة مزاج النواب ورغباتهم.
العديد من برلمانات العالم لا تسمح بالبث المباشر للجلسات العامة للنواب حتى لا تتحول الجلسات الى حلبات لصراع الديكة بل يتم تسجيلها وبثها لاحقا منزوع منها كل ما يسئ للمجلس او يتضمن خروجا عن النظام. في بريطانيا مثلا لا توجد في قاعة الاجتماع سوى كاميرا واحدة ومن غير المسموح دخول او تصوير اي كاميرا تلفزيون او حتى كاميرا تصوير فوتغرافي. وحتى الجالسون في النظارة لا يسمح لهم بإدخال هواتفهم النقالة.
والمحطة التلفزيونية الوحيدة التي يسمح لها بتصوير الجلسة هي محطة تلفزيونية خاصة تصور الجلسات بشروط قاسية منها مثلا ان تكون الكاميرا موجهة فقط على طالب الكلام وان لا يتم تصوير بقية الحضور ( سمح في السنوات القلية الماضية لكاميرا التلفزيون بتصوير لقطات عامة للحضور ) وهذه القناة الوحيدة المرخص لها بالتصوير توزع الى كل وسائل الاعلام الأخرى المادة التصويرية وفق رغبة البرلمان وشروطه الصارمة.
عندنا تدخل كل القنوات الفضائية العالمية والخاصة للجلسات العامة ومصوروا الصحافة اليومية يتقافزون تحت القبة بلا قيود. ليس هناك برلمان في الدنيا يسمح بهذه الفوضى الاعلامية وهذه الاستباحة لقبة البرلمان التي لا يدخلها سوى النواب والحكومة.
قد يقول قائل اين الشفافية من كل هذا. والجواب ان الشفافية وما يهم الجمهور والرأي العام لا تعني استباحة حرمة البرلمان.
بقي ان أقول بان النظام الداخلي لا يطبق بصرامة في جلسات النواب وكل محاولة من رئيس مجلس النواب لتطبيق النظام تواجه بمقاومة من العديد من النواب وخطأ الرئاسة أنها تستسلم.
وتحاول حل التجاوزات بالحسنى والكلمة الطيبة.
هل يجوز ان يبقى مجلس النواب الاردني هو المجلس الوحيد في الدنيا الذي يدخن أعضاؤه تحت القبة.
من هنا نبدأ ، واعانك الله أيها الصديق عاطف الطراونه على حملك الثقيل.