التاريخ : 2016-03-12
مشاركة جدّتي في التنمية
الراي نيوز
د عودة ابو درويش
الاهتمام هذه الايّام بالمرأة ودورها في تنمية المجتمع كبير , ومشاركتها الاساسية للرجل في المهام التي توكل لهما في تنمية المجتمعات التي تعتمد عليهما في اداء دورهما, في كلّ مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها, ودورها في تحقيق عناصر التنمية الثلاثة , العيش حياة طويلة وبصحة جيّدة , واكتساب المعارف الحياتية والحصول على الموارد اللازمة للعيش بكرامة . ومع تعديل بعض المفاهيم مثل الدور الاجتماعي للمرأة , والدور الثقافي , والتوسّع الكبير في التعليم للرجل والمرأة على السواء , ولحاجة المجتمع لكليهما للعمل في شتّى المجالات , والتي اثبتت بعض النساء , قدرة على العمل بها , والمرأة الآن تعمل في معظم الاعمال التي كانت حكرا على الرجل , ما عدا التي تعتبر لغاية الآن من الاعمال الخاصة بالرجال مثل العمل في المناجم , والاعمال الميكانيكية الثقيلة التي ربّما نجد فيها , في المستقبل ,نساء يعملن فيها وباقتدار .
لكنّي تذكّرت جدّتي وجدّات جميع الاردنيين , والاعمال التي كانت تقوم بها يوميا , من دون أن تطلب أجرا , أو أن تشترك بضمان اجتماعي , أو تمنّ على أحد , وحققت , برأيي , عناصر التنمية الثلاث . واستعرضت في مخيّلتي كيف أنّها كانت تصحو مع الآذان الاول , وتتفقّد الطابون , الذي صنعته بيديها من الطين والتبن , ووضعت بداخله حصيّات صغيرة مختلف الوانها , ثمّ تغطيّه بالنار المتوّهجة من الحطب , وتتركه الى أن ترتفع درجة حرارته , ثمّ تنتقل الى حظيرة الغنم , تطعمها وتسكب الماء لها , وكذلك الدجاج و الحمام , تغسل يديها وتعود الى الطابون , لتضع فيه أوّل دفعة من العجين , الذي تكون قد عجنته مساء اليوم الفائت , لتخرجه خبزا شهيّا ليس لطعمه مثيل في حياتنا الحاليّة .
ثمّ تنطلق , مع نساء الحوش الكبير لتنظيف الارض الترابية التي كساها الاسمنت في فيما بعد , وتعمل بعد ذلك على صنع المخللات بأنواعها , وتشرف على اعداد طعام الغداء لسكان الحوش , ثمّ تجلس لتخيط الملابس والاثواب على ماكنة تدار باليد , واذا حلّ الغروب تجد متسّعا من الوقت لتقصّ علينا قصصا شكّلت لدينا المفاهيم الاولى للحياة , وعلّمتنا من خلالها حبّ الوطن والتصميم على العيش الكريم , واذا جاء موسم الحراثة , تذهب مع النساء الى الارض الكبيرة لتساعد الحرّاثين في بذر حبوب القمح والشعير , وتنتظر معهم موسم الحصاد في الصيف , لينتج الاردن , وحسب الاحصائيّات , في تلك الايّام قمحا أكثر مما ننتجه في أيّامنا هذه .
لم تشارك جدّتي في مظاهرة تطالب بتعديل المادة السادسة من الدستور , ولم تجلس في ندوة حوارية , تنظّمها الوكالة الكنديّة لتغيير قانون الاحوال الشخصيّة , ولم تستمع الى محاضرة مدعومة من الشعب الامريكي لتعديل وتغيير قانون الجنسيّة والعمل , والمادة الثامنة بعد الثلاثمئة من قانون العقوبات , مع أنّها كانت تكتب وتقرأ , ولكنّها شاركت بقوّة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتّى السياسية , رحمك الله يا جدّتي رحمة واسعة