التاريخ : 2016-04-11
السنيد يكتب: الاصلاح الاداري حلم الدولة الضائع
الراي نيوز
- كتب النائب علي السنيد
اقسم ان بعض الادارات في الحكومة الاردنية لا تلحظ الاهتمام بمكاتبها سوى في جناح المدير العام وسكرتيرته، ومدير مكتبه، اضافة الى نائبه، وقد تجد هنالك مكتبا اخر لافتاً من حيث الانتظام في العمل، وبعد ذلك لا تتعجب ان رأيت ان الملفات تفرش على ارضية هذه الغرفة او تلك، وهذا ما شهدته بنفسي، وترى المكاتب الكئيبة التي تنبؤك عن حجم الترهل الاداري الذي تعانيه الدولة في بعض الوزارات ، وربما انك تحتاج للبحث عن الموظف او ملاحقته لكي تسأل عن معاملة ما، وفي اي الادراج استقرت، واذا قيض لك ان ترى الرفوف التي تتكدس عليها الملفات في الدوائر المترهلة فستشهد كيف اكل الدهر وشرب في المكاتب الرسمية الاردنية.
وبعض الوزارات لا يكون فاعلا في المبنى الذي يضم الوزير نفسه سوى الطابق الذي يحل فيه معاليه، والامين العام ، وبعد ذلك تضيع القضايا ويصبح البحث عنها بمشقة بالغة وتحتاج لملاحقة النواب وتدخل الواسطات، وهنالك مقبرة في بعض الوزارات حيث تختفي فيها المعاملات والقضايا، وربما ان المواطن لا يجد جهة تجيبه عن سير الاجراءات التي اتخذت بحق معاملته، او كم تحتاج من الوقت حتى تنتهي، او ما هي مبررات الرفض لها ان رفضت.
ويظل المواطن بحاجة ماسة للواسطة في تعاملاته مع الدولة، وكأننا ما نزال في حقبة الدولة العثمانية.
واذا ما قيض للمراجع ان يصل الى الوزير او المدير العام ربما ينفض الغبار عن معاملته ويعرف الى اين وصلت في الاجراءات. وهذا لا يمنع ان هنالك وزارات معدودة على اصابع اليد الواحدة تتخذ طابعا عصرياً، ولديها نظام حديث يحكم عملها.
وقد رأيت بنفسي كيف ينكمش الموظفون في بعض الوزارات في مكتب واحد ويتركون مكاتبهم ويتداولون الاخبار، والاحاديث، ولا أهمية للمراجعين، او للسير باجراءات العمل، وانهاء معاملات الناس، وذلك في الطابق الذي يعلو الوزير مباشرة، وفي نفس مبنى معاليه. وبعض الوزراء لا يستطيع احدهم ان يتخذ القرار، وانما يمضي اللقاءات بالتنظير، وتبقى قضايا الناس عالقة، ومعلقة بدون اجابة. ولا تجد وزارات تتخذ طابعاً عملياً، او وزراء ميدانيون سوى قلة معدودة منهم ادوا امانة المسؤولية.
وعندما يقوم الوزير بتفقد سير العمل في بعض المديريات التابعة له في المحافظات فترافقه كاميرا التليفزيون، وطاقم من الوزارة، وينضم اليه المحافظ، ونواب المنطقة عندما يصل، وتصبح العملية اشبه بزفة. وربما ان بعض الوزراء تقام له مائدة غداء في المحافظة المعنية وهكذا تنقضي الزيارة البروتوكولية دون الاطلاع على حقيقة ما يجري، وهل يؤدى العمل على الوجه المرغوب في المديريات التابعة لوزارته. طبعا ندرة من الوزراء من يقوم وحيدا بمفاجئة مديرية تابعة له ويراقب ويتابع سير العمل ، او يتخفى للاطلاع بنفسه على كيفية معاملة المراجعين، او يحاول ان يفسر سبب قلة العطاء او تراجع الإنجاز، او أسباب الاحتقان الشعبي، والتذمر الذي ينتاب الأردنيين.
واما زيارات دولة الرئيس فتأتي على نطاق أوسع، ويرافقه الوزراء والاعلام والتلفزيون، وطاقم مكتبه، ومحافظ المنطقة، ويتشكل حاجز سميك لحجب الصورة الحقيقية عن دولته، وهكذا تمضي زياراته البروتوكولية، وتمضي الدولة ايامها ، وسنواتها دون تغيير حقيقي يذكر ودون ان يصل الرسميون الى حقيقة معاناة الناس، وما الذي يواجهونه عندما يطلبون خدمات الوزارات والدوائر التابعة لها، وكيفية المعاملة التي يلقونها ، ولا يصل من الصورة شيء الا اذا حدثت فضيحة لا يمكن التستر عليها، او وقع كشف اعلامي، او اعتدي على موظف في احدى الدوائر، ووصلت القضية الى الاعلام، والامن وبذلك يصحو المسؤولون على وقع الفضيحة.
عندما تفقد الحقوق المشروعة بسبب المماطلة والتسويف وفي بعض المواقع ربما يكون التسويف طلبا للرشوة ، ولا تعود الالية السائدة في الادارة واضحة، وتجعل الناس في حالة استجداء مستمر لابسط حقوقهم تسود روح الاحباط في الدولة ، وتصبح الواسطة هي الحل حتى ان المواطن لا يعود يصدق ان حقه يصل اليه في دولته دون تدخل واسطة لصالحه. وهذا ما ينفي على المدى البعيد سمة المؤسسية عن الدولة، وتصبح خارج دائرة الدول المستقبلية.
وهذا لا يعني عدم وجود موظفين اكفياء في الإدارة الأردنية ، ويؤدون واجبهم الوظيفي بامانة وإخلاص وبما يرضي الله تعالى ، ولكني اخشى ما اخشاه ان الموظف الجيد يضيع جهده بسبب تلك الصورة البائسة التي تتجلى في مؤسساتنا والتي فقد فيها حس العطاء والانجاز وذلك لما اشاعته هذه الحكومة من روح العجز في الدولة الاردنية.