التاريخ : 2016-04-19
الثورة العربية.... تداعيات بين الرصاصة والجدوى
الراي نيوز-بقلم : أماني المبارك
بألوانه الأربعة يرفرف عاليا، كأنه يتباهى بثوبه الزاهي، هذا ما يتراءى للناظر للسارية العظيمة، الشامخة، في ساحة الثورة العربية، على شاطئ العقبة، حتى العصر العباسي، والفاطمي، والأموي، بدأت أسماؤهم تزاحمني المشهد، والشرفة التي أطلقت منها أول رصاصة من بندقية الشريف الحسين بن علي، ظهرت كلوحة تتوسط البحر، وأصوات الجيوش العربية الباسلة تقاسم الموج بمده وجزره بكل عنفوان.
الثورة العربية الكبرى-- الثورة المسلحة ضد الخلافة العثمانية، جزء من الحرب العالمية الأولى، والتي بدأت من الحجاز، بإطلاق الرصاصة الأولى للشريف الحسين بن علي، في فجر التاسع من شعبان/ 2يونيو 1916 إعلانا وإيذانا بها، والتي هدفت كما نص عليه ميثاق دمشق، وفي (المراسلات الحسين- مكماهون) استندت إلى الميثاق على خلع طاعة الدولة العثمانية، وإقامة دولة عربية، أو إتحاد دول عربية يشمل الجزيرة العربية، نجد، الحجاز، وسوريا الكبرى، عدا أضنة، التي أعتبرت ضمن سوريا في ميثاق دمشق، مع احترام مصالح بريطانيا، في جنوب العراق، وهي المنطقة الجغرافية التي تبدأ في بغداد، وتنتهي في ساحل الخليج.
ها أنا أواصل السير على رمال البحر الناعمة، ورياح الثورة تعبث بسكوني، كيف لا وأسبابها تلفني كما الإعصار، أسير وأردد في نفسي: ثورة كهذه؛ التف حولها الأحرار من كافة الأرجاء، ومن جميع الأجناس، استجابوا لها بكل هذه الحماسة، والسرعة، كان لا بد لها من أسباب عاصفة أوصلتهم إلى حالة الهيجان هذه، تماما كما الأمواج أمامي الآن، فكل موجة متها تمدني بسبب، وأولها- ظلم الأتراك للعرب واتباعهم سياسة التتريك، ومحاربة اللغة العربية، ثانيا- ابتعاد الأتراك عن الدين الإسلامي، ثالثا- ضعف الدولة العثمانية، وانفصال الأقاليم والولايات دون أن تحرك الدولة شارة أو سيف، رابعا- مطالبة العرب بمكانة أفضل المناطق العربية، والتمتع بمزيد من الحريات اللامركزية، والاستقلال الذاتي، خامسا- مراسلات الشريف حسين- مكماهون، ومطالبة بريطانيا ضمان استقلال الدولة العربية ، سوريا، فلسطين، والعراق، والجزيرة العربية، ما عدا عدن، سادسا- خوض تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول المحور، سابعا- استغلال البريطانيين لمكانة الشريف حسين كونه من السلالة الهاشمية، وكونه أمير مكة، ثامنا- قيام جمال باشا السفاح بشنق زعماء الحركة العربية، ومفكريها، تاسعا- تذمر القبائل البدوية في الحجاز من تشغيل الأتراك لسكة الحديد، لأنها تقطع عليهم رزقهم في نقل متاع الحجاج.
ألتقط أنفاسي المتسارعة، وأنا على إحدى القوارب في البحر، وتصاحبني معها الأحداث المتلاحقة وكيفية سيرها، تتناثر كالنجوم
في السماء الصافية، فبعد أن تشكلت الجيوش العربسة الثلاثة:
لجيش الشمالي بقيادة الأمير فيصل بن الحسين
الجيش الجنوبي بقيادة الأمير علي بن الحسين
الجيش الشرقي بقيادة الأمير فيصل بن الحسين
حيث بدأت المعارك الحربية في جدة 13 حزيران، وانهزمت الحامية التركية، وسقطت مكة في 9 تموز 1916، وبعد شهرين تقريبا حرر العرب ثغري " الليث" " المويلح" على البحر الأحمر، وفي 23 أيلول 1916 استسلمت الطائف، وفي تموز 1917 سقط ميناء العقبة، الذي يغص في هذه اللحظات بالبواخر والناقلات، كم أشعر بالفخر والاعتزاز لوجودي على آثار المعارك التي دارت على أرضه، وفي هذه الأثناء احتل البريطانيون بغداد ، فاحتج الحسين ، ولكن بريطانيا علقت على أنه تدبير عسكري مؤقت وغير مهم سياسيا.
وبين عامي 1916-1917 انضم للجيش الشريفي عدد من الضباط الوطنيين، من سوريا وفلسطين، ممن كانوا في الجيش العثماني، وتطوع كثير من العرب المشرق، فوصل الجيش الشريفي إلى 70000 مقاتل، وبعد ذلك تحررت بيروت، وحلب، وحماه، وطلس، وصيدا، وصور، وحمص، وفي تشرين الأول تم تأليف الحكومة العربية الأولى في بيروت، ورفع العلم على سراياها.
حقائب مكتظة أمام الحافلة، وأصوات المسافرين كما خلية النحل، لا قدرة لي على فهم ما يتقاذف من كلمات، هنا وهناك، وأنا واقفة في خط النهاية استعدادا للرجوع إلى قريتي الهادئة الملامح، الدافئة بقلوب أهلها، وبساطتهم، وفي هذا الأثناء نا زال فكري منشغلا بما نتجت عنه الثورة العربية، ومل آلت إليه الأهداف التي نادت بها، وأولها تزامنت مع صوت سائق الحافلة وهو ينادي: هيا أيها المسافرون اتخذوا أماكنكم الآن، ولا تنسوا أمتعتكم.
أولها- استقلال الجزيرة العربية والشام والعراق وفلسطين والشام، عن الدولة العثمانية بعد حكم دام أربعمائة سنة، ثانيا- تشكيل خمس دولفي المنطقة، وكيان يهودي مستقبلي، وانتهاء حلم عربي بإقامة دولة عربية كبيرة، ثالثا- فصل الحدود التي رسمتها اتفاقية (سايكس - بيكو) هذه الدول عن بعض، وصارت مقدسة في عرف قادتها، وغير قابلة للمحو أو التعديل، رابعا- لقي الحسين بن علي جزاءه على أيدي الإنجليز، ليس فقط بأن فقد حلمه في إقامة دولة عربية كبيرة، ضن عليه الإنجليز البقاء حتى على الأرض التي حلم بإقامة دولته عليها، مع وجود أبنائه ملوكا وأمراء فيها، خامسا- بعد انتهاء الاستعمار البريطاني والفرنسي بقيت الدول مقامة وفق اتفاقية ( سايكس بيكو) وتعديلات قوات الانتداب عليها، واستقلت في الأربعينيات والخمسينيات، وانشئ الكيان الصهيوني في المنطقة على أرض فلسطين 1948.
وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وغلى رأسها بريطانيا التي تنكرت لكل وعودها للعرب، الذين اكتشفوا أنهم اشتروا الوهم؛ فلا دولة ولا استقلال.
الشريف الحسين بن علي لم يكن رجلا عاديا، بل بطلا قوميا، وعنوان نهضة العرب، فالحسين والهاشميون جميعا، كانوا ثوارا صادقين، وهو أمر تتفرد به أمتنا العربية بأن يكون ملوكنا ثوارا، بدءا من الحسين الأول وعلي وفيصل وعبدالله وطلال والحسين الثاني وعبدالله الثاني، ثوارا وقادة تتلمذوا على مبادئ الثائر الأول، جدهم النبي العربي، محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه أبرز تجليات القومية العربية بشكلها المعاصر، وختام مرحلة النهضة العربية، في القرن التاسع عشر!!
والسؤال الآن، هل سيكون هنالك رصاصة ثانية، في ظل ظروفنا العربية الراهنة، وقضيتنا العربية الأولى، التى أكل الدهر من ريعان شبابها، وأصبحت في سن الشيخوخة، فلسطيننا العربية؟!