التاريخ : 2016-04-20
ازدواجية الجنسيّة في الدستور الأردني
الراي نيوز
د.رحيل محمد غرايبة
تناقلت وسائل الإعلام خبر مشروع التعديلات الدستورية الذي أقرته الحكومة على عجل، وبعثته إلى مجلس النواب، وتم الإشارة إلى تعديل المادة التي كانت تنص على حرمان من يتمتع بجنسية أجنبية من تولي بعض المناصب السيادية في الدولة مثل النواب والأعيان والوزراء، ويبدو أن هناك توجها بإزالة هذا العائق أمام تولي أصحاب الجنسية المزدوجة لهذه المواقع المهمة والخطيرة على مستوى الدولة.
هناك رأي يذهب إلى ضرورة التعديل، من أجل عدم حرمان الدولة الأردنية من بعض الكفاءات والعقول والخبرات المهمة، خاصة إذا تم العلم بأن كثيراً من الحاصلين على جنسيات أجنبية يتمتعون بقدر كبير من المؤهلات الجيدة التي لا يجوز إهمالها، ومع احترامي وتقديري لكل الآراء في هذا الاتجاه، لكن لا بد من توضيح الجوانب الأخرى لهذه المسألة التي تستحق الحوار ومزيدا من الجدل الفكري والقانوني والسياسي.
الجنسية في أصل مفهومها المتفق عليه أنها عبارة عن رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، تجعله يحتل مركزاً قانونياً ودستوريا يترتب عليه حقوق وواجبات متبادلة، بالإضافة إلى المعنى الروحي الذي يعبر عنه بالولاء والانتماء للدولة، بحيث يعلو فوق كل ولاء وانتماء آخر لجهة أخرى، ولذلك تجد أن بعض الدول تشترط توافر مجموعة من الشروط في الشخص الذي يتقدم بطلب الحصول على جنسيتها، مثل مرور عدد من السنوات على الإقامة الدائمة على ترابها بطريقة مشروعة، أو أن يقدم خدمات جليلة للدولة، دون إهمال معنى الانتماء والولاء للدولة ونظامها ودستورها وقانونها تحت طائلة القسم، وإذا ارتكب ما يخل بولائه العميق للدولة تبادر إلى سحب جنسيتها منه.
الدول الكبرى والمتقدمة لم تر بأساً في ازدواجية الجنسية لدى بعض أفرادها، على اعتبار أن جنسيتها أعظم وأكبر من أي جنسية أخرى كما أنها تطغى على الجنسيات الأخرى؛ ما يجعل كثيراً من أتباع الدول الضعيفة يبادرون إلى الانسلاخ من هوياتهم وجذورهم الأولى من أجل الالتحاق بالدول القوية والمتقدمة، ويفتخرون بهذه التبعية.
عندما تم اثبات حرمان أصحاب الجنسيات المزدوجة من تولي المناصب السيادية في النسخة الأولى من الدستور، كان يقصد به أن يكون الولاء لدى أصحاب هذه المواقع للدولة وشعبها وأرضها ومستقبلها لا يعلوه أي ولاء آخر لأي جهة أخرى، وهذا أمر مطلوب ومقصود تماماً، وهو في غاية الأهمية والخطورة، حيث ثبت بوجه عملي أن الذين يحملون جنسية أجنبية من الذين كانوا في مجلس الأعيان وبعض المواقع الأخرى بادروا إلى الاستقالة الفورية حفاظاً على جنسيتهم الأجنبية؛ ما يدل دلالة قاطعة على أن حمل الجنسية الأجنبية لديهم أهم بكثير من هذه المواقع، ولو تم تخييرهم بين حمل الجنسية الأردنية مع أعلى المواقع من جهة، أو الجنسية الأجنبية من جهة أخرى، لذهبوا إلى تفضيل الجنسية الأجنبية قولاً واحداً بلا تردد، وهذا هو مربط الفرس.
أعتقد اعتقاداً جازماً بضرورة اشتراط الولاء الواحد للدولة لمن يحتل هذه المواقع السيادية، وأن يكون قلبه وعقله ووجدانه مع دولته بلا أدنى منازع، وإذا تم التساهل في هذه المسألة مع المواطن العادي، فلا يجوز التساهل مع من يحتل موقع المسؤولية في إدارة الدولة في مختلف المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. صدق الله العظيم.