التاريخ : 2016-05-15
"مفتاح العودة" .. يتحدى النكبة - فيديو
الراي نيوز
ابراهيم السواعير
في ذكرى النكبة اليوم؛ أستذكر ما حدّثني به طاعنٌ في الانتظار عام 2011، وضمّنته مقالةً في (الرأي)، من أنّ عتاقة (المفتاح) الذي يحتفظ بكل تلك الرائحة البعيدة ما تزال تملأ جنباته كلّما تحسس أشياءه التي رافقته منذ أن ودّعت عيناه الدار والكرم والبئر في رحلة العذاب الطويل.
قال: مؤلمٌ أن يُحرم المرء من مرابع الصّبا وذكريات الأحبّة!.. هكذا.. عنوة .. ظنّ الشيخ أن الدمعة الساخنة التي عاندت جبروته، فواراها بطرف كوفيته،.. لم تلحظها عيناي المتسمّرتان أمام عزّة هذا الوجه الجليل، الراوية، الصبوح، المتسامح؛.. فمضى يحدّث غير منتبه إلى صاحب الدكان الذي شاركنا الحديث في إحدى أحياء مخيّم الوحدات،.. شاركنا رأفةً بجاره الذي يستعيد معه كل صباح (حديث النكبة)، فلا يفرغ منه إلا حين ينشغل صاحبه بطلبة المدارس، ليعود الحديث والذكريات، من جديد.
(حديث النكبة).. هو الدمعة التي يذرفها الشيوخ كل صباح.. وهو مفتاح يومهم الجديد، الذي يبرزون معه (مفتاح) الدور و(الحواصل) والدكاكين القديمة وثيقةً أمام هذا الجيل: أول جملةٍ يفتتح بها هؤلاء الشيوخ الحديث: (الصبر مفتاح الفرج!).. ليطوّفوا بك منذ (الثمنية وأربعين)، كما ينطقونها، حتى يوم الناس هذا، وأنت ما عليك إلا أن تستمع لتنظيرات الحكماء المجربين أصحاب الخبرة في ضياع الأرض والوحدة الضائعة والزعماء والحزبية والتسويات وكلّ هاتيك الأيام.
يخبؤون (مفاتيحهم) في جيوب لباسهم العربيّ المميز، ليدهشوا الضيف أو الجار بالوثيقة الدامغة: مفتاح داكن، تقشّر قليلاً، ومرّت عليه أصابع كلّ ذلك الزمن القاسي، وهم حين يضعون حياتهم وصبرهم وسيرة أولادهم ومستقبلهم في هذا المفتاح المخبوء؛ فإنّ وثيقةً لديهم تساوي، بل تفوق، كلّ نسب مراكز الدراسات العالمية في استفتاء (حق العودة) الذي تطالعهم به الصحف كل يوم، فلا يزيد هؤلاء الشيوخ إلا مزيداً من التندر أمام حديث النكبة.. ومفتتح كل صباح. يمضي هؤلاء لتبقى المفاتيح؛.. تنتقل من خزانة إلى خزانة.. ومن طاعنٍ إلى حفيد.. وهي وإن ضاعت في غمرة الحياة فإنّ هؤلاء المسنين.. الطيبين.. الذين يفرحون بأيامهم وبطولاتهم في العواصم القريبة ويسردونها لكل عابر سبيل.. هم مفاتيح أصيلة غير قابلة للاستنساخ.
الرأي