التاريخ : 2016-08-02
عبدالكريم الكباريتي مثل ومثال !
الراي نيوز
- بقلم : شحاده أبو بقر
لا أعرف ما الذي يدفعني للكتابة عن شخص بعينه هذا الأوان , هل هي ظروف بلدنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية السائدة , في وقت نقترب فيه كثيرا من إستحقاق إنتخابي وشيك سيحدد بلا شك طبيعة العلاقة المنتظرة بين الأردنيين ودولتهم , أم هو إدراكي العميق لخصوصية واهمية هذه الإنتخابات تحديدا , في زمن إقليمي ملتبس مريع لم يعد يترك فرصة لترف الإسترخاء إنتظارا للمجهول , أم هو الإنقلاب السياسي المذهل الذي أصاب منظومة العلاقات الدولية برمتها , والذي بدد وبوضوح تام , صداقات عديدة , وتحالفات تاريخية عديدة , وأسقط أنظمة عديدة , وينذر بما هو أخطر وأكبر وما هو خارج سياق التوقع , بعد إذ باتت أقوى القوى العالمية فريسة مستساغة لفكر متطرف تقف جيوشها الجرارة عاجزة عن صده ! .
حقا لا أعرف بالضبط !, ولعل مجمل ما أعرف , هو حاجة بلدنا الحبيب في هذا الزمن المرعب , إلى نمط محدد من رجال دولة يشكلون رافعة للدولة والعرش على نحو وطني صادق , لا هيمنة فيه لطموح شخصي أو شللية مؤذية , أو محاولة تجريب مكانها زمن الرخاء لا الشدة والخطر , وأقف ككثير غيري عاجزا عن فهم عزوف كثيرين من ذلك النمط من الرجال عن الترشح للإنتخابات , لا بل وعزوف كثير من الناس حتى عن مجرد الحديث في هكذا حدث وطني هو الأهم في حياة الشعوب ! .
أعرف الكثير من الأسماء الوطنية الصادقة المخلصة للوطن والعرش , , وبالذات من عملت معهم في رئاسة الوزراء والبرلمان أعيانا ونوابا , وأرتاح كثيرا كمواطن لإختيار الدكتور هاني الملقي رئيسا للوزراء, وأنا أعرف وطنيته الطاغية ورؤاه السديدة , وأحجم عن الكتابة عن اي منهم كي لا يكون تقييمي مجروحا , وأختار عوضا عن ذلك رمزا وطنيا لم أعمل معه ,لكنني أرى فيه مثالا لذلك النمط من الرجال الذين يحتاجهم الوطن حقا في مثل هذا الزمان .
عرفت دولة ' عبد الكريم الكباريتي ' شخصيا إبان كان وزيرا للخارجية في العقد الأخير من الألفية الماضيه , كنت حينها مسؤول التحرير لمكتب صحيفة ' الشرق الأوسط ' وأخواتها المطبوعات الأخرى في مكتبها بعمان , ورئيسا للفريق البرلماني التابع لوكالة الأنباء الاردنية في مجلس الأمة الأردني . جاءت مبادرة التعارف من أبي عون في قاعة الإستراحة بالبرلمان عندما إمتدح مقالا لي في الرأي الاردنية لا أذكر موضوعه , وأبوعون معروف بأنه كاتب محترف بالفطرة , وخطيب يجيد أدب السياسة وسياسة الأدب ببراعة فائقه , وهو صاحب رأي ورؤية يدافع عنهما بقوة , وهو قبل هذا وذاك , شخصية وطنية منزهة , وذات أمتداد أقليمي فاعل, وبالذات على صعيد الخليج العربي .
مدخل التعارف هو ربما أن كلينا هو كوزير وأنا كصحفي , ننتمي إلى كثرة تؤمن بأن الخليج العربي دولا وجغرافيا , هو العمق الإستراتيجي الحقيقي للأردن , سياسيا ' حيث التماثل في النظم السياسية ' , وإقتصاديا ' حيث السوق الخليجية الواسعة والفاعلة معا ' والمؤهلة خلافا لسواها لإستيعاب العمالة الأردنية ومنذ عقود طويلة حتى يومنا هذا , فضلا عن إستيعاب المنتج الأردني بالسوية ذاتها ', وإجتماعيا ' حيث التشابه الفكري والثقافي ونمط العادات والتقاليد كموروث شعبي لا يمكن تجاهله تحت أي إعتبار ' .
ميزة ' عبدالكريم ' أنه رجل سياسة وإقتصاد معا , وهو ليس فعالية عادية ككثيرين من رجالات البلد , وإنما هو صادق مع نفسه , له رأي يعتد به , ورؤية لا يمكن أن يجامل فيها على حساب ما يرى أنه مصلحة وطنيه , يبدي رأيا وموقفا صريحين , ولا يوظف إعلاما أيا كان نوعه , لإنتقاد أو حتى نقد رأي أو رؤية أخرى , ولسان حاله يقول , هذا ما عندي , فإن راق فهو خير , وإن لم يرق فهو خير أيضا , وهو ذو لون لا يتغير أبدا بإختلاف الموقع داخل السلطة الرسمية او خارجها .
لفت أبو عون نظر الراحل الملك الحسين تغمده الله برحمته , منذ كان وزيرا للسياحه , فأختاره وزيرا للخارجيه , ثم عاد وكلفه بتشكيل الحكومة التي إصطدمت بما سمي ثورة الخبز في حينه , وهي ' ثورة ' أجج نارها في حينه , سياسيون بعضهم حاسد أو طامح , ضد حكومة برلمانية ضمت أكثر من عشرين نائبا , ومنهم من كان أسهم كذلك في تأجيج نار ما سمي هبة نيسان عام 1989, ومنهم من كان يقدم أفكارا نظرية حول الطريقة الأمثل لتحول سياسي أفضل من وجهة نظره ! .
فلسفة عبدالكريم الوزير والرئيس السياسية , فلسفة وطنية بإمتياز , وهي فلسفة إجتهد سياسيون كثر لاحقا في تحويل بعض منها إلى شعارات من نمط ' الاردن أولا ' على سبيل المثال لا الحصر , لكنها ظلت شعارات أكثر منها ترجمة على ارض الواقع , عندما قل المدافعون عنها والمروجون لها في خضم تتابع الأحداث وتسارعها . وهي فلسفة تؤمن بأن الاردن قادر على مواجهة التحدي بإلتفاف الشعب وبصلابة حول الوطن والعرش , مثلما هي فلسفة تجسد حتمية تواضع صاحب الولاية العامة في التقرب الإنساني إلى الناس , وبالذات قادة الرأي في المجتمع , ويسجل لعبدالكريم أنه أول من أزال الحواجز بين كبار المسؤولين من جانب , والصحافيين من جانب آخر , وأعترف أنني كنت أنتقد ذلك في حينه , لقناعتي بحتمية ترك مسافة ما بين رئيس الوزراء والصحفيين , وذلك لزوم من نسميه الهيبه ! .
عبدالكريم الكباريتي صامت اليوم أكثر منه متكلما , مع أنه الأقدر من الجميع ربما على التحليل والتنظير وطرح الفكر السياسي المثمر , وهذا شأن خاص به يقر به الجميع , وهو صمت يمكن تصنيفه في خانة ' الأدب السياسي ' إن جاز الوصف , فهو قد يبدي رأيا لعقل الدولة خلف باب مغلق , ولا يبوح به لأحد آخر كي لا يحتسب نفاقا أو محاولة تعال على الدولة والوطن , وفي هذا تجسيد حي لأخلاق الكبار الذين يملكون الحكمة , ولا يتباهون بها كي لا يتأذى الوطن , إذ لديه الكثير من الصمت والقليل من الكلام , ما دام خارج السلطة , فالوطن عنده شرف , لا منصبا أومغنما , والإخلاص للعرش في ذهنيته السياسية , واجب يشرف كل من في ذاته شرف .
لم أعمل مع الكباريتي عن قرب , لذلك لا أجد غضاضة في أن أكتب رأيي فيه كرجل دولة محترف عز نظراؤه, وهو شخصيا يعرف نظراءه , ومنهم من عملت معه وعن قرب في الحكومة والبرلمان , وخبرت معادن الرجال جيدا , وأتردد كثيرا في الكتابة عنهم تجنبا للحرج , لكنني وللتاريخ أجزم , أن كوكبة تضم أسماء يعرفها عبد الكريم جيدا , وأعرف شخصيا غيرها ممن نآى بها كره النفاق عن تولي مواقع متقدمه , بمقدورها أن تكون نواة لكوكبة وطنية من رجال الدولة الأفذاذ المؤهلين لكل مهمة وطنية سياسية وإقتصادية وإجتماعية فذة , في البرلمان والحكومة وسائر مفاصل الدولة . أسأله تعالى أن يصون بلدنا من كل سوء في ظل الراية الهاشمية التي نعزها ونحترمها ونتشبث بها جميعا , ودونها الأرواح حقا , لا تزلفا وإدعاء .
sh.abubaqar@yahoo.com