التاريخ : 2016-10-03
بيريز.. ليس آخر القتلة
جهاد المنسي
لأنهم شهداء، ولأن دماءهم نقية، لأنهم أكبر منا وأعظم، لأنهم قدموا للأوطان أرواحهم، لأنهم ما راوغوا، وما طمعوا بسلطان، وما بدلوا تبديلا، لأنهم يعرفون أن البوصلة إن أشارت إلى مكان آخر بخلاف فلسطين تكون معوجة، ويعرفون أن صراعهم الحقيقي مع عدوهم الصهيوني فقط، ولا يوجد صراعات فرعية هنا أو هناك.
ولأنهم يعرفون أن شمعون بيريز نازي ودكتاتور، قتل أطفالهم، وهجرهم من أوطانهم، ارتكب مجازر في لبنان وغزة وفلسطين كل فلسطين، ويعرفون أن الأرض التي دفن فيها أرضهم، سلبها منهم بالقوة، وأن السماء التي تخيم فوق رؤوس الصهاينة النازيين أمثاله سماؤهم، فهم لا يسامحون، لا بل يعرفون أن كل الشرائع السماوية والإنسانية وشرعة الأمم المتحدة منحتهم حق مقاومة محتل أرضهم.
الشهداء أول الكلمة وآخر الحرف، طريق المقاومة والانتصار، بياض وجوهنا ونقاء مقاومتنا، أمل التحرير وعبق النور، شرف الأمة وعنوان العودة، وهم الأكرم والأعز، والأنقى والأكمل، لا يجب المساومة على دمهم أو المفاوضة، استشهد بعضهم بدم بارد لأن بيريز أراد ذات صيف أن يجرب طائراته الأميركية الحديثة فقصف من قصف وقتل من قتل، واستباح ما استباح.
أما أولئك الباكون المولولون على موت بيريز، فهم لا يمثلون الشهداء ولا يعرفون معنى الشهادة، وإنما يمثلون أنفسهم، ويعبرون عن هزيمتهم هم، أولئك لا يشبهوننا، وإنما يشبهون أنفسهم، ولا يشبهون شهداءنا وانما يتماثلون مع آخرين.
لا يوجد سبب لكي نحزن على موت قاتل، ولا مبرر لكي نصفه ببطل الحرب والسلام، وقبل أن نصفه بذلك عذرا أجيبونا، أجيبوا شهداءنا ودمهم الذي ضرج في كل مكان، عن أي سلام تتحدثون صنعه بيريز؟! ألا يكفي أن يقول لكم كاتب صهيوني في مقال نشره بعد موت بيريز بيوم، أن الرجل كان صهيونيا بحق ويعمل من أجل إسرائيل وليس من أجل السلام، فعن أي سلام تتحدثون؟! ولماذا يذهب البعض إلى جنازته وفي عيونه حزن عليه؟! فلماذا تحزنون؟ قولوا لنا من حقنا أن نعرف؟! أليس بيريز هو من قتل في قانا؟ أليس هو من هجر الآباء والأجداد من بيوتهم العام 1948؟ أليس هو من جلس فوق أرض ليست له؟ قولوا لنا بربكم لماذا تحزنون، أتحزنون على من هجر وقتل وسلب ودنس المقدسات؟!
لا يستوي الشهداء مع قاتلهم، ألم تسمعوا وأنتم هناك حزينون صراخ أطفال قانا؟ ألم تسمعوا وأنتم تبكون عليه صوت أهلكم وهم يهجرون من أرضهم، ألم تتحرك فيكم عروبة وأنتم تعلنون بيريز "رجل الحرب والسلام"، وتتمنون له أن يرقد بسلام؟!
أيها الشهداء.. أيها الأسرى في سجون الصهاينة الذين يقارعون محتلا، وبعضهم سقط شهيدا وبعضهم يعاني، أيها القاطنون في فلسطين التاريخية الذين قرروا مقاطعة الجنازة، العذر منكم، أيها الآباء الذين قاوموا ومايزالون يقاومون العذر منكم، قد يبتعد البعض عن البوصلة، ولكن ناسا كثرا ما يزالون يرون البوصلة في مكانها الصحيح.
لم يلحظ أولئك الجالسون في مراسم عزاء بيريز أن الشهداء ما يزالون يسقطون، وأن جيش الاحتلال الصهيوني ما يزال يستخدم جنوده يقتلون على الشبهة، يصفّون الناس بدم بارد، يدنسون المقدسات ويحرقون الأشجار ويعذبون الأسرى؟
عذرا لا نستطيع أن نكون مثلكم، فنحن ما نزال على بوصلتنا التي تشير إلى القدس، نعتبر الصهاينة أعداء سلبوا الأرض وقتلوا الناس، واستباحوا الأطفال، ما تزال صرخات والد محمد الدرة في آذاننا، وما يزال فارس عودة قابعا في رؤوسنا، ما نزال نرفض تدنيس مقدساتنا، ونريد استعادة أرضنا، فهل تفهمون؟!