التاريخ : 2017-01-19
لماذا خرج جودة؟
الراي نيوز
ربما يكون غياب التوافق والتفاهم بين وزير الخارجية السابق ناصر جودة، ورئيس الوزراء د. هاني الملقي، هو أحد العوامل التي تفسّر خروج الوزير المخضرم من الحكومة، بعد أعوام طويلة من العمر الدبلوماسي. لكن هذا العامل ليس الوحيد، أو الأهمّ في تفسير التغيير!
قبل الملقي، لم يكن هناك تناغم ولا انسجام أيضاً بين رئيس الوزراء السابق د. عبدالله النسور ووزير الخارجية، ولا حتى -في كثير من الأحيان- بين الفريق السياسي المقرب من الرئيسين (النسور والملقي) وجودة. وبالرغم من كل تلك المحاولات، فإنّ جودة صمد في موقعه.
وكان آخر تلك المحاولات تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية لتقليص صلاحيات الوزير. وربما كانت "النميمة" تؤكّد أنّ الوزير الجديد، بشر الخصاونة، أتى مع الحقيبة الجديدة (وزير دولة للشؤون الخارجية)، في التعديل السابق، لإخراج جودة، وإمساك الرئيس بموقع رئيس وزراء ووزير خارجية، والخصاونة وزير دولة. وهو التحول الذي تمّ إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، فجرت المحاولات الفاشلة لتوزيع الصلاحيات بين الوزيرين، قبل أن يتم إخراج جودة من الفريق، وإلغاء الحقيبة الجديدة غير المبررة أصلاً، وإنهاء فكرة وضع الخارجية بيد رئيس الوزراء، وتسليم الخصاونة الوزارة التي يمكن أن ينجز فيها بصورة متميزة، وهي الشؤون القانونية!
تغيّر جودة، لأنّ قناعات في "مطبخ القرار" رأت أنّ فترة بقائه في الوزارة تجاوزت العمر المطلوب كثيراً، وأنّ هناك دواعيَ سياسية ومنطقية للتغيير ترتبط بدرجة رئيسة بوجود إدارة أميركية جديدة، ذات طابع جمهوري، بينما وكما هو معروف تميز جودة بتشبيك علاقات وثيقة مع الديمقراطيين، بخاصة جون كيري، وزير الخارجية الأميركي الموشك على الرحيل، فكان من المنطقي تغيير وزير خارجيتنا مع هذه التغييرات.
ذلك المتغير يتزاوج مع تقديرات بأنّ "إعادة تقييم" تتم في أوساط القرار للسياسة الخارجية الأردنية وحجم التغييرات والتحولات الدولية والإقليمية الكبير، مع الإدارة الأميركية التي ستتقارب مع الروس، وبروز المحور الروسي-الإيراني، والاستدارة التركية، والتخلي عن مطلب رحيل الأسد، وبدلاً من ذلك التركيز على محاربة الإرهاب.
فوق كل ذلك، هناك رهانات التقارب مع العراق، والأزمة الاقتصادية القاسية، ومحاولات للعبور إلى مشروع "إعادة إعمار" سورية، وكلمة السرّ هنا "إيران"، وأخيراً المتغير الخطر المقبل بسيناريوهات نقل السفارة الأميركية إلى القدس وارتداداته المحلية والدبلوماسية.
أي أنّنا أمام تحولات جوهرية في البيئة الإقليمية تستدعي جراحات موضعية في السياسة الخارجية. وهو ما يتطلب وزيراً جديداً ووجهاً آخر مختلفاً عن الوزير الذي انطبعت صورته بالدبلوماسية السابقة، منذ العام 2011 وحتى العام 2016، أي في حقبة "الربيع العربي".
الآن، لماذا أيمن الصفدي؟
من المعروف أنّ وزير الخارجية ليس هو من يصنع السياسة، إنّما بالضرورة هو جزء من آلية القراءة واتخاذ القرار الذي يتم على أعلى مستوى مجلس السياسات بإشراف وتوجيه مباشر من الملك. فالآراء الشخصية (السياسية والأيديولوجية) للوزير لا تأثير مباشرا لها على التوجهات الدبلوماسية، وهو لم يأتِ ممثلاً لحزب أو اتجاه معين، إنما لمعايير أخرى مختلفة تماماً.
الصفدي، وبالرغم من عدم وجود "خبرة دبلوماسية" مباشرة له سابقاً، إلا أنّه عمل مع الملك عن قرب خلال الأعوام السابقة؛ مستشاراً، وفي مواقع سياسية مختلفة، ما أتاح له أن يعرف تماماً: ماذا يريد الملك، وما لا يريد، ويترجم التوجهات العليا في الدبلوماسية بصورة أمينة عبر نشاطه الدبلوماسي.
وفي ملفات معينة، وطالما أنّ هناك صعوداً للاتجاهات اليمينية، فمن المعروف عن الصفدي أنّه شرس وصلب، ولديه المخزون اللغوي الذي يمكّنه من إظهار هذا الوجه في الدبلوماسية الأردنية، إن اقتضت الضرورة في المراحل المقبلة، بانتظار اكتمال الفريق الأميركي وفي مواجهة ملف القدس، وفي التعامل مع مصالح الأردن الإقليمية.