يكاد بريدي الإلكتروني ينفجر ، ففي أقل من أربع وعشرين ساعة وصله أكثر من خمسة آلاف رسالة تتعلق كلّها بحملات تتضامن مع الشعب المصري ، وهي تتحول تلقائياً من صفحة الفيس بوك إلى صندوق البريد ، وباستعراض سريع لجنسيات أصحابها تكتشف أنهم من عرب يكتبون من بلادهم ومن بلاد المهجر أيضاً.
الرسائل ليست نصيّة فحسب ، بل تتضمن غالبيتها صوراً وأفلاماً حقيقية وأخرى مركّبة وكارتونية ، ويتراوح مضمونها بين التضامن والدعوة للحشد والنكات المضحكة المبكية والشتائم للأنظمة والحكام ، وكلّها يدعو إلى تعميم الثورة على مختلف أنحاء العالم العربي.
الفقراء والمهمّشون والمقهورون صار لهم إعلامهم الخاص ، ولم تستطع مئات وسائل الإعلام العربية الرسمية من فضائيات وإذاعات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية يقف وراءها جيش من عشرات آلاف الإعلاميين المجندين الرسميين ، لم تستطع منع الأخبار عن الناس ، أو تحويرها وتجميلها ، فالحقيقة أمام الشعوب العربية كما هي فعلاً ولأول مرة في التاريخ.
وحتّى الفضائيات التي تبحث عن الحقيقة ، وحجبت عن الناس ، وأقفلت مكاتبها وأوقف مراسلوها ، وجدت نفسها أسيرة سيل الأخبار والصور والأفلام المرسلة من المواطنين العاديين ، بعد أن أصبحوا مراسلين صحافيين ، من هواتفهم النقالة التي صارت الوسيلة الأنجح للبث بالصوت والصورة والكلمة ، وهكذا فلم يعد هناك مكان للتعمية ولنا أن نفرح بتطوّر تاريخي مذهل في جماله ، وأن نتوقع وصول الديمقراطية إلى شوارعنا رغماً عن أنف القمع والقامعين.