التاريخ : 2018-01-11
الحكومة والإصلاح
الرا ي نيوز
منذ بدأ الجدل العلني العامّ في 1989 حتى اليوم والقضايا والأحداث والاستجابات تكرر نفسها، العجز في الموازنة، دعم السلع الأساسية، العدالة والكفاءة في تحصيل وتنظيم الضرائب والموارد العامة، الغضب والاحتجاج والسخرية، ومع تطور الأرشيف الإعلامي وسهولة الاسترجاع يمكن الملاحظة كيف أننا نكرر عملية سياسية وجدلية تكاد تكون لا تتغير؛ ليس لدى الحكومة سوى رفع الضرائب والتخلي عن مسؤولياتها في تقديم وتطوير الخدمات الأساسية والانسحاب من التنمية والإصلاح، والمشاركة غير العادلة مع الشركات والمرابين، وليس لدى المدن والمجتمعات فكرة عما يمكن أن تعمله لأجل المشاركة والتأثير في السياسات والعدالة وتوزيع الموارد والخدمات، والحال أن وظيفة الكاتب والمعلق اليومي أصبحت مرهقة نفسيا، إذ أنه يلاحظ الاتجاهات نفسها تتكرر بلا ملل ولا كلل، ولا يملك سوى أن يقول الشيء نفسه الذي يقوله منذ العام 1989، فلا هو قادر على فعل شيء جميل ولا هو قادر أيضا على مغادرة الملاحظة وتجاوز المسائل التي تكرر وتفرض نفسها.
تبدو الحكومة تفضل عمل أي شيء مهما بدا صعبا أو مستحيلا أو خياليا على أن تدخل في إصلاح حقيقي يحسّن حياة الناس، لكن المواطنين اليوم ينتظرون من الحكومة أمرا مختلفا عن كل ما تقوله أو تفعله، ويتوقعون جملة من الوعود والسياسات والبرامج الواقعية والممكنة، ويحتاجون إلى قدر كبير من الثقة وحسن النوايا بددتهما الحكومات والنخب، والجماعات السياسية، وكل ما تتحدث عنه الحكومات وما تعد به لم يلامس بعد معظم الاحتياجات الحقيقية للناس، ولا ما هو منتظر منها، مثل تمكين المجتمعات وتأهيلها لممارسة ولايتها ودورها في التنمية والمشاركة على قدر من التكافؤ مع السلطة التنفيذية والقطاع الخاص، وأن تكون المجتمعات في تشكيلتها المجتمعية والأهلية ومؤسساتها قادرة على تنظيم نفسها حول احتياجاتها ومواردها وأن تدير منظومة من المؤسسات والمرافق والخدمات مستقلة بنفسها ومواردها.
ولم تظهر بعد علاقة بين الإصلاح الذي تتحدث عنه كثيرا الحكومة (الطبقة والنخب) وبين الارتقاء بالخدمات الأساسية، التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية إلى مستوى يقترب من وعي المجتمعات والطبقة الوسطى بخاصة لأولوياتها وما تريد أن تكون عليه، فالمؤسسات التعليمية والصحية الخاصة تنمو نموا فطريا هائلا في بلد فقير مثل الأردن!!
ولم تتقدم الحكومات بعد في اتجاه إدارة الموارد العامة والضرائب والمعونات والقروض الخارجية على نحو يزيد الموارد ويجددها ويعيد إنفاقها بكفاءة وعدالة تعود بالتنمية والفوائد المباشرة الإيجابية والسريعة على مستوى حياة الناس والتنمية البشرية، وتوقف الهدر والظلم في توزيع النفقات، وتعيد ترتيب الأولويات تجاه المحافظات والطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية وقطاعات الإدارة والخدمات، وتوقف بحزم كل اتجاهات الإنفاق غير ذات الأولوية التنموية والاقتصادية.