التاريخ : 2018-04-05
حسين هزاع المجالي يكتب: تداعيات الواقع السوري الجديد على الأردن
الراي نيوز
تطورات الأزمة السورية متسارعة، والواقع اليوم بات مختلفا عما كان عليه في السابق، وذلك بسبب الموقف الأميركي الملتبس، بدءا من تغيير استراتيجيتها بعد انتهاء الحرب على داعش بزيادة تعداد قواتها إلى الموقف الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً بقرب مغادرة سوريا نهائيا.
على أي حال، ليس من المتوقع ان تغادر القوات الأميركية سوريا في المدى المنظور، وذلك لعدة أسباب منها أن لدى اميركا مصالح في سوريا والعراق، ووجودها يحافظ على تلك المصالح وتحديدا ما تعلق منها على الأراضي العراقية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر ثمة استراتيجية أميركية معلنة تجاه إيران، وليس بالتالي، ليس من المتوقع على المدى المنظور أن تتخلى واشنطن عن استراتيجيتها تلك، ولعل تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا تحديدا واحدا من أبرز أهدافها وذلك من أجل حليفتها في المنطقة إسرائيل، والتي لطالما وجدت في توسيع القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا خطرا يتهددها.
بالتالي، وبحسب ما هو أمامنا من معطيات، فليس من المنطقي التسليم برحيل القوات الأميركية عن سوريا نهائيا قريبا.
التطور الذي طرأ على الازمة السورية ليس بالموقف الأميركي فحسب، بل وبالتركي والذي تمثل باحتلال مدينة عفرين أقصى الشمال السوري، والتوقعات تسير باتجاه أن تركيا تسعى إلى مزيد من التمدد في شمال سوريا، وتحديدا باتجاه منبج، وذلك لتشكيل مناطق نفوذ داخل الأراضي السورية ولحماية حدودها في العمق السوري ضد ما تراه تهديدا كرديا على وجه التحديد.
في الواقع، ثمة اطماع تركية في سوريا، وهي ظاهرة للعيان منذ بدء الأزمة السورية، ولعل سعي الأتراك ظل على امتداد الأزمة يبحث عن موطئ نفوذ في كل المنطقة، وبان ذلك جليا بما قدمته الحكومة التركية من دعم ورعاية لجماعة الإخوان المسلمين في عدة بلدان عربية، واتخاذها مواقف متشددة من أنظمة حكم في بلدان عربية منحازة فيها لصالح جماعة الإخوان المسلمين.
لذلك، أكثر ما يخشاه المراقبون أن يتمدد النفوذ التركي في الشمال السوري ليشكل احتلالا جديدا وطويل الأمد لأراض عربية يكون البذرة الأولى على طريق تقسيم الأراضي السورية لمناطق نفوذ بين دول عدة.
على أي حال، وإذا ما تجاوزنا إعلان ترمب بالإنسحاب، فإن الحرب في سوريا كانت تتم بالوكالة بين النظام السوري وحلفائه، وبين الجماعات المسلحة والإرهابية والتي كانت تتلقى الدعم من دول خارجية، في حين أن الواقع أصبح مختلفا في مواجهات من المحتمل أن تخوضها الدول بالأصالة عن نفسها دون أي دور مباشر للوكلاء.
وما دفع إلى مثل هذا التحول هو تأزم العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، وسعي واشنطن إلى وجود طويل الامد وزيادة عدد قواتها على الأرض السورية انطلاقا من سعيها للحفاظ على مصالحها في المنطقة وعدم الرغبة في ترك هذه المنطقة للنفوذ الروسي لوحده.
هذا التوتر جاء أيضا، انطلاقا من استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة تجاه إيران والسعي إلى عدم تمكين القوات الإيرانية من بسط نفوذها أكثر على الأراضي السورية.
إذا نحن اليوم أمام مشهد جديد في سوريا، وهو ما جعل الأمور تتجه مرة أخرى إلى التصعيد بعد أن كانت مهيأة خلال الأشهر الماضية للمضي قدما نحو التهدئة ولصالح النظام السوري وحلفائه.
وانطلاقا من ذلك، فإن بؤرة المواجهات ستكون في الجنوب السوري وصولا إلى الحدود السورية العراقية حيث معبر التنف المحاذي أيضا للحدود الأردنية.
هذه المنطقة باتت استراتيجية لجميع الخصوم في سوريا سواء الولايات المتحدة الاميركية والتي تقيم فيها قاعدة عسكرية، او بالنسبة للميليشيا الإيرانية التي تتواجد على مقربة من تلك المناطق والساعية إلى توسيع تواجدها ونفوذها هناك من أجل الحفاظ على مصالحها أولا ومن اجل ضمان طريق بري يوصلها من طهران مرورا بالعراق وصولا إلى سوريا ومن ثم لبنان.
كما أن المنطقة تعد مهمة بالنسبة لبعض فصائل المعارضة المسلحة والتي يتلقى بعضها تدريبا ورعاية أميركية، وبالإضافة لبعض الجماعات الإرهابية ومنها داعش التي لها حضور في تلك المنطقة أيضا، سواء على الجانب السوري أو على الطرف المقابل له في صحراء العراق.
على ما يبدو أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تلك المنطقة التي تجعلها قريبة من حماية مصالحها في العراق وسوريا، وأن إيران أيضا لن تتخلى عنها.
وتكمن أهميتها كذلك بالنسبة للولايات المتحدة من ناحية ضمان عدم وجود أي نفوذ لإيران فيها، وفي المناطق الممتدة حتى أقصى جنوب سوريا وذلك حفاظا على أمن إسرائيل التي تحدث سياسيوها كثيرا عن خطر اقتراب الميليشيات الإيرانية من حدودها.
وبالتالي كل تلك المؤشرات تدل على قرب اندلاع مواجهات تخوضها الدول بالأصالة عن نفسها لا عبر وكلاء، وهو ما قد يدخل المنطقة في واقع أكثر حساسية وتعقيدا عما كان عليه في السابق.
الأردن، ستكون أكثر المتضررين من حدوث أية مواجهات في المنطقة وعلى مقربة من حدوده الشمالية، ذلك أن على مقربة من معبر التنف مخيم الركبان، وهو المخيم الذي ثمة شكوك كبيرة في تسرب عناصر إرهابية إليه، وتلك العناصر سبق وأن نفذت تفجيرا استهدف جنودنا على الساتر الترابي الذي يفصل القوات الأردنية عن المخيم.
كما ان الأردن سيكون متضررا من أية مواجهات هناك بما تحويه المنطقة من تواجد لجماعات إرهابية، قد تستغل التوتر الأمني لإعادة الانتشار في المنطقة وتشكيل تهديدات حقيقية عندما تتسرب عبر موجات اللجوء المتوقعة نتيجة المواجهات إلى الداخل الأردني.
وأيضا، ثمة تحد كبير بالنسبة للأردن في أن تتمدد القوات المتحالفة مع النظام في المنطقة، ذلك أن وجودها على مقربة من حدودنا يشكل تحديا أمنيا بالنسبة لنا أيضا لما تحمله تلك الميليشيات من أجندات معادية.
التوتر في تلك المنطقة من شأنه أن يقضي على اتفاق خفض التوتر الذي أنجزته الأردن بالاتفاق مع روسيا والولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي ساهم في إشاعة الهدوء في المنطقة وعودة الكثير من اللاجئين السوريين إلى ديارهم بعد أن اطمأنوا أنها أصبحت آمنة.
ومن شأن انتهاء اتفاق خفض التوتر أن يساهم في موجات لجوء جديدة باتجاه الأراضي الأردنية، وهو من شأنه ان يعيد أزمة اللاجئين إلى مربعها الاول بما تشكله من أزمة خانقة تضغط على عصب الاقتصاد الأردني وموارده أيضا.
كل تلك التحديات يمكن إضافة تحد آخر إليها ويكمن في قوات خالد الموالية لداعش والمتواجدة على مقربة من حدودنا في حوض اليرموك، وخطورة هذه القوات في انها تمتلك أسلحة ثقيلة، ومن شأن اي توتر ومواجهات في المنطقة أن يعطيها مجالا للتحرك من اماكن تواجدها والتي هي مازالت حتى اليوم تحت مراقبة الجيش الأردني والقوات الأمنية المتحالفة وعلى مدار الساعة.
خلال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، خبر الأردنيون جيدا قدرة واحترافية تعامل الجيش والاجهزة الأمنية مع التحديات على الحدود الشمالية ومع التحديات التي رافقتها في الداخل الأردني، عندما أفشلت الأجهزة الامنية مخططات الإرهابيين في اربد والكرك مثلا.
والأردنيون اليوم، كلهم ثقة بقدرات الجيش والاجهزة الأمنية في حماية الأراضي الأردنية من أي اعتداء أو محاولة اعتداء من قبل الإرهابيين، غير أن الواقع السوري الجديد يفرض علينا الدعوة إلى ضرورة تمتين الساحة الداخلية ونزع فتيل أي أزمات في الشارع.
تمتين الجبهة الداخلية، رأسمال كبير بالنسبة لجميع الأردنيين، وعلينا الالتفات إلى ذلك بجدية اليوم، وأكثر من أي وقت مضى.