التاريخ : 2018-06-02
د.رجائي المعشر يكتب: قانون ضريبة الدخل- بصراحة
الراي نيوز- د.رجائي المعشر
سأجيب في هذه الكلمات على مجموعة من الأسئلة التي تدور في ذهن المواطنين حول مشروع هذا القانون والذي جاء ليزيد أزمة الوضع الاقتصادي العام في مضمونه وتوقيته.
وأول ما يتبادر إلى أذهان المواطنين، لماذا هذا الإصرار من قبل مجلس الوزراء على إقرار مشروع القانون وبهذه السرعة، حيث يكمن الجواب في حالة الاقتصاد الوطني الكلي:
أولا: تسعى الحكومة الى تحقيق هدفين في آن واحد: معالجة الاختلالات في المالية العامة وتحفيز النمو الاقتصادي.
ثانيا: تسعى الحكومة من خلال برنامج التصحيح المالي والاقتصادي الموقّع مع صندوق النقد الدولي إلى زيادة إيرادات الدولة وتخفيض نفقاتها وخفض العجز في الموازنة العامة والمحافظة على نسبة المديونية الى الناتج المحلي الإجمالي وتخفيضها ما أمكن.
ثالثا: تسعى الحكومة للحصول على موافقة صندوق النقد الدولي لإجراءاتها حتى تمكنها من الاقتراض المحلي والخارجي، بهدف خفض الدين العام وإعادة هيكلة المديونية وتعزيز احتياطات مناسبة من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
وعليه، فإن الحكومة عقدت اتفاقا مع صندوق النقد الدولي، وافقت بموجبه على إقرار سلسلة من الإجراءات كان آخرها إقرار مشروع معدل لقانون ضريبة الدخل ما أتاح لها البدء بمراجعة لبرنامجها مع صندوق النقد الدولي وبالتالي الحصول على الشهادات اللازمة لبدء عملية الاقتراض للغايات التي ذكرت سابقا.
لهذه الأسباب سارعت الحكومة بإقرار مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل وأرسلته إلى مجلس الأمة لاستكمال الإجراءات الدستورية.
والسؤال الثاني الذي يتبادر إلى ذهن المواطن، لماذا هذا القانون وما هي مبرراته.
وهنا وضعت الحكومة ثلاثة أسباب موجبة لهذا القانون:
أولا: زيادة الواردات الضريبية المباشرة.
ثانيا: الحد من التهرب الضريبي من خلال سد الثغرات في مواد القانون التي تساعد على ذلك، وأيضا تغليظ العقوبات على المتهربين لتصل الى الحبس.
ثالثا: زيادة أعداد المكلفين.
وهنا يأتي السؤال الثالث: هل حقق مشروع القانون هذه الأهداف؟
من وجهة نظر الحكومة، فإن الجواب طبعاً نعم، إذ أن القانون حقق هذه الأهداف ويعالج الثغرات ويمنع التهرب الضريبي ويزيد من إيراداتها الضريبية بحوالي 250 مليون دينار.
ولكن السؤال الأهم، هل يخدم مشروع هذا القانون المصلحة الوطنية العليا؟
للإجابة على هذا السؤال، اسمحوا لي أن أذكّر بأن الحكومة قد وضعت خطة لتحفيز الاقتصاد الوطني تعتمد على إنجاز مشاريع تنموية بقيمة 15 مليار دينار يجري العمل على دراسة جوانبها الفنية والاقتصادية ويعتمد تنفيذها على شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص وتعطي دورا أكبر للقطاع الخاص في تمويل هذه المشاريع، لعدم توفر الإمكانات المالية لدى الحكومة وعدم قدرتها على الاقتراض لغايات هذه المشاريع.
فما وضع هذا القانون على القطاعات الاقتصادية المختلفة؟ وسأترك أثر هذا القانون على المواطنين إلى فقرات لاحقة.
أولا: القطاع الصناعي، وهو أكبر مشغّل للأيدي العاملة الأردنية، سيتحمل عبئا ضريبيا كبيرا من خلال زيادة نسبة الضريبة على القطاع وإلغاء إعفاء أرباح الصادرات من الضريبة، أي أن القانون بصورته الحالية سيكون له أثر سلبي على قطاع الصناعة.
ثانيا: القطاع التجاري، ويتحمل عبئا بسبب زيادة الضريبة على القطاعات مما سيؤدي الى زيادة الأسعار على المواطنين بالإضافة الى تراجع الطلب على الكثير من السلع.
ثالثا: القطاع الزراعي، يفرض قانون ضريبة الدخل على هذا القطاع إذا زاد الدخل عن 25 ألف دينار سنويا، وهذه الضريبة تفرض لأول مرة.
رابعا: القطاع المالي: رفع مشروع القانون نسبة الضريبة على البنوك وشركات التأمين والتأجير التمويلي وشركات تمويل المشاريع الصغيرة والشركات المالية الى 40 بالمئة، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل لغايات المشاريع الإنتاجية والسكنية وقروض الأفراد والقروض الصغيرة وقروض الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عماد الاقتصاد الوطني. وهذه الآثار السلبية ستكون معيقة للاستثمار، وفي الوقت ذاته تحديد النشاط الاقتصادي في العديد من القطاعات مثل قطاع الإسكان وتمويل الافراد وغيرها، وتأتي هذه الزيادة في تكلفة التمويل في الوقت الذي يقوم البنك المركزي برفع الفائدة بسبب ارتفاع الدولار.
واكتفي بهذا القدر من الملاحظات، وأؤكد في الوقت ذاته أن ذات الأثر السلبي ينطبق على معظم القطاعات الأخرى التي شملها زيادة نسبة الضريبة.
والسؤال الأهم: أثر مشروع هذا القانون على المواطن؟
ذكرت أعلاه الأثر غير المباشر على المواطنين، من حيث ارتفاع أسعار السلع والمواد وكلفة التمويل وغيرها.
وهنا اذكر بان هدف الحكومة الاقتصادي الأول هو تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير الخدمات اللازمة لهم على أفضل وجه مثل التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافة، بالإضافة الى مسؤولية الدولة الأولى وهي توفير الامن وحماية المواطنين من المخاطر الداخلية والخارجية.
وعليه في اعتقادي أن مشروع قانون ضريبة الدخل سيتم تعديله في مجلس الأمة، بهدف تخفيض العبء على المواطنين عما جاء في مشروع القانون وتخفيض نسبة الضريبة على الشرائح المختلفة.
وأخيرا زيادة المبالغ المخصصة لكل شريحة عن الخمسة آلاف دينار المقترحة. إن مثل هذه التعديلات ستؤدي إلى المحافظة على الطبقة المتوسطة والأقل حظا كما ستقلل نسبة الضريبة المدفوعة من قبل العاملين في الإدارات المتوسطة.
وأخيرا، سيمنح حدا مناسبا ومجديا من الإعفاءات للأفراد.
وبالإضافة الى ما ذكرت، هناك تفاصيل عديدة أخرى تضمنها مشروع القانون وأنا على ثقة بأنها ستكون موضع تعديل في مجلس الأمة، ومنها: ضريبة الأرباح الرأسمالية والضريبة على توزيع أرباح الشركات المساهمة العامة.
أرسلت الحكومة رسالة واضحة الى صندوق النقد الدولي حول جديتها في إقرار هذا القانون ولكن لا تستطيع الحكومة أن تقرر ما سيكون عليه مشروع القانون بعد مناقشته في مجلس الأمة.
أرسل المواطنون رسالة واضحة إلى الحكومة ومجلس الامة بان مشروع القانون كما ورد من الحكومة وبخاصة في بنود زيادة الإيرادات لا يمكن أن يكون مقبولا عندهم ولا أعتقد أن أحداً يعترض على زيادة كفاءة التحصيل والحد من التهرب الضريبي وتبسيط الإجراءات وتطوير أداء دائرة ضريبة الدخل.
ولقد أصبح واضحا أن مشروع القانون سيكون موضوع حوار وطني شامل بأخذ زمام المبادرة فيه بالمرحلة الأولى بمجلس الأمة وبمشاركة واسعة من النقابات المهنية والجمعيات وأصحاب الأعمال وغرف التجارة والصناعة وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المواطنين وبخاصة الاقتصادية منها، ويكون الهدف من هذا الحوار التوصل إلى تفاهمات حول مشروع هذا القانون تهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق مصلحة الوطن العليا واعتقد جازما أننا سنتوصل الى مشروع قانون يحقق اهداف التنمية الاقتصادية ويؤدي الى تحسين مستوى معيشة المواطنين.
ان التجربة الأردنية في التعامل مع التحديات التي واجهت الأمة العربية خلال السنوات الماضية أصبحت مثالا يحتذى به فالأردن يعتمد الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر والعمل المشترك بين المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأردنية للوصول إلى الحلول المناسبة.
ومسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ضمن رؤيته الواضحة والتي تضمنتها الأوراق النقاشية وحددت تفاصيلها ودور المؤسسات فيها وكذلك الحوارات الوطنية الموسعة والشاملة التي وضعت قوانين إصلاحية وتعديلات دستورية واسعة، مؤكدا على أننا قادرون على التعامل مع مشروع هذا القانون وصولا إلى صيغة تخدم أبناء الوطن ومصالح الوطن العليا وتحقيق الرفاه والازدهار لأردننا الحبيب.