د. أسعد عبد الرحمن
لم تدخر الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المتعاقبة، ومن ورائها منظمات "الهيكل المزعوم" الصهيونية جهدا إلا واستخدمته لصالح بناء ذلك "الهيكل" وتطبيق "حق" صلاة اليهود في المسجد الأقصى!! ومنذ سنوات طوال، يجري العمل بسياسة "الخطوة خطوة" على تقسيم الحرم القدسي وإتاحة المجال لليهود لأداء الصلوات فيه، وفرض تقسيم على غرار التقسيم الذي فرضه الاحتلال في الحرم الإبراهيمي في الخليل. وفي قرار هو الأول من نوعه، أقرت محكمة "إسرائيلية"، بـ"الحق المحدود لليهود في أداء صلوات" في المسجد الأقصى، وقررت أن وجود مصلين يهود في الحرم القدسي لا يمثل عملاً إجرامياً طالما تظل صلواتهم صامتة وذلك وسط ترحيب واسع من عصابات المعبد والهيكل المزعوم.
صحيح أن القرار تم إلغاؤه، تحت وقع تهديدات المقاومة وحالة الغليان التي أعقبت القرار من قبل المقدسيين، وبعض التدخلات الدولية والعربية (الأردن تحديدا)، إلا أننا اليوم أمام حرب مفتوحة على مصراعيها في القدس، فلا يكاد يمر يوم دون قرار أو انتهاك إسرائيلي ضد المدينة وسكانها وآخرها قرار المحكمة بالسماح للجماعات اليهودية المتطرفة بأداء الطقوس الدينية في ساحاته، بعد أن باتت شرطة الاحتلال تغض الطرف عن قيام المتطرفين بأداء طقوس دينية يهودية خلال اقتحاماتهم للأقصى بعد التزايد الملحوظ في أعداد المقتحمين للمسجد! بل إنهم رفعوا فيه العلم الإسرائيلي، في تحد سافر للوصاية الهاشمية والقانون الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية، بما فيها البلدة القديمة، مناطق فلسطينية محتلة. هذا، فضلا عن شروع بلدية الاحتلال بوضع الأسس لإقامة أكثر من 9000 وحدة استعمارية/ "استيطانية" جديدة على أرض مطار القدس الدولي في قلنديا بالتزامن مع الشروع بشق نفق للمستعمرين/ "للمستوطنين" أسفل حاجز قلنديا العسكري. وجميع هذه التعديات، تجري بالتزامن مع الاستعدادات لتنفيذ المشروع "الاستيطاني إي واحد"، شرق القدس، وإقامة آلاف الوحدات في المستعمرات غير الشرعية القائمة على أراضي المدينة بما فيها "رامات شلومو" و"هار حوماه" و"جفعات هاماتوس" و"غيلو" وغيرها، وذلك في ظل الاستمرار بمخططات التطهير العرقي في أحياء المدينة وبخاصة الشيخ جراح وسلوان مع التصعيد الخطير في عمليات هدم المنازل.
مع استمرار إنكار دولة الاحتلال حقوق المقدسيين، يرجح عديد المراقبين الإسرائيليين والغربيين أن الإنفجار في القدس آت. فالقدس باتت اليوم المحرك الأكبر للمقاومة والرفض الفلسطيني للمقارفات الإسرائيلية المتواصلة. ومن المتوقع أن التطورات في "زهرة المدائن" قد تمتد آثارها إلى باقي الأراضي المحتلة. ففي أيار الماضي، حين التهبت القدس تداعت الضفة الغربية وفلسطين 48 بالدفاع والمواجهة، وتفاقمت الأمور فجاء الرد من قطاع غزة، ولم يصدق قادة الدولة الصهيونية أن المقاومة تمهلهم زمنا محددا لينسحبوا من المسجد الأقصى ويوقفوا قمعهم المصلين. وهو المشهد الذي فاجأ الاحتلال حين واجه معنى قوة وحدة الكل الفلسطيني على امتداد "فلسطين التاريخية".
مركز الإلتهاب في القدس هو المسجد الأقصى، وما يجري هو انتهاك خطير للوضع التاريخي القائم في المسجد ويمهد الطريق لمحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى. ويمارس الأردن فعلا مسؤولياته في مقاومة مخططات الاحتلال استنادا إلى البند التاسع من اتفاقية وادي عربة الذي ينصُّ على: "تَحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".