يشبه المدخل الشمالي لـقناة السويس على الخرائط الرادارية مثلث برمودا، فلدى السفن عادة في الاختفاء. كان الحال كذلك مع سفينة Emerald "إيميرالد”، وهي ناقلة نفط عبرت القناة في الأول من فبراير/شباط الماضي ثم اختفت. وبعد يومين، عاودت الظهور مجدداً قبالة الساحل السوري، وبات ما حدث خلال هذه الفترة محط تركيز تحقيق دولي، كما تقول مجلة The Economist البريطانية.
لغز سفينة "إيميرالد”
وبحسب المجلة، تعتقد إسرائيل أنَّ سفينة إيميرالد كانت مصدر التسرب النفطي الذي سكب أكثر من ألف طن من القطران على شواطئها المطلة على البحر المتوسط (وشواطئ الجار لبنان). تعتمد القضية حتى الآن على أدلة ظرفية إلى حدٍّ كبير، فالناقلة، التي كانت تحمل نفطاً إيرانياً لسوريا، كانت في الموضع المناسب للتسبُّب في التسرب، لكنَّ الأمر سيستغرق وقتاً لتجميع الأدلة الجنائية.
لكن في 3 مارس/آذار، لم تكتف وزيرة البيئة الإسرائيلية، غيلا غمليئيل، بتحميل سفينة إيميرالد مسؤولية التسرب، بل اتهمت إيران أيضاً بالتسبب به في عمل من أعمال "الإرهاب البيئي”. كان ذلك ادعاءً محل شك، فلدى إيران باع في تخريب ناقلات النفط، وليس تسريب النفط منها. لم تقدم غمليئيل أي دليل، وقال بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي إنَّ إسرائيل لا تملك أي دليل.
وبدون دليل لا يوجد أي سبب يدعو للشك في أنَّ إيميرالد لم تكن إلا سفينة عادية ترفع علم بنما، ومملوكة لشركة قابضة مغمورة تعمل في الظلام، لنقل النفط بين بلدين خاضعين لعقوبات اقتصادية، ولا يوجد في ذلك أي شيء غير معتاد.
يستحوذ النفط على اهتمام لا يضاهيه اهتمام بأي سلعة أخرى، ولسبب وجيه. فاللحم مثلاً لا يُشغِّل العالم، والثروات الوطنية لا تزداد وتنخفض بسبب العقود الآجلة لعصير البرتقال، لكنَّ حدوث ارتفاع في أسعار مزيج خام برنت، المزيج القياسي الدولي، يهز الأسواق.
حوادث تسرب نفطي متكررة
تُعَد سفينة إيميرالد واحدة من عشرات الناقلات التي باتت تُستخدَم استخداماً غير معتاد منذ عام 2018، حين فرضت أمريكا عقوبات على صادرات النفط الإيرانية، فمع امتلاء الخزانات الأرضية بالنفط غير المُباع، أُدخِلَت بعض الناقلات الإيرانية إلى الخدمة كوحدات تخزين عائمة، وتحولت المياه قبالة ميناء النفط الرئيسي إلى ساحة انتظار بحرية.
وتحمل ناقلات أخرى حمولات في إيران، وتنقلها إلى سفن أصغر في البحر لإخفاء أصولها، ويمكن أن تؤدي عمليات النقل من سفينة إلى سفينة إلى حوادث التسرب. وغالباً ما تكون السفن المعنية غير خاضعة للتأمين البحري، وتطفئ أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها لإخفاء أنشطتها، وتختبئ كذلك خلف أدغال من البيروقراطية تمتد عبر العالم، فالناقلات التي صُودِرَت في مياه إندونيسيا، في يناير/كانون الثاني، لنقلها النفط الخام الإيراني، لها صلات بشركات في الصين وسنغافورة وجزر مارشال. وتُقدِّر مجلة Lloyd’s List، وهي مجلة مختصة بالشحن، أنَّ إيران تستخدم الآن أكثر من 6% من ناقلات النفط الكبيرة في العالم، البالغ عددها قرابة 2700، للتخزين أو خرق العقوبات.
مشاكل نفطية من نوع آخر تواجه دول المنطقة
بالنسبة للدول الأخرى، لا تكمن المشكلة في التوزيع، بل في الدفع، إذ تعثَّر لبنان عن سداد ديونه العام الماضي، وتنفد منه الآن العملة الصعبة. وأبرم في فبراير/شباط من العام الماضي اتفاقاً يائساً مع العراق، سادس أكبر منتج للنفط في العالم، ولديه تخمة من زيت الوقود الثقيل، من بقايا عملية تكرير المنتجات الأكثر قيمة. ويُشكِّل النفط الثقيل نصف إنتاج مصافي العراق المتقادمة.
ليست هذه هي درجة الوقود المناسبة لمحطات الطاقة اللبنانية، لكن مع ذلك وافقت الحكومة على شراء 500 ألف طن من هذه المادة. سيؤدي إحراقها إلى توليد الكهرباء، لكن سيؤدي أيضاً إلى الكثير من التلوث، بسبب محتواه العالي من الكبريت (نحو 4%). وتجازف أيضاً بإتلاف توربينات محطات الطاقة.
وإذا بدت هذه صفقة سيئة للبنان، فإنَّها أفضل بكثير للعراق، الذي سيحصل على أمواله من خلال حساب ضمان في مصرف لبنان المركزي. ولا يمكن سحب المال أو نقله للخارج، وإنما يُنفَق على السلع والخدمات داخل لبنان، وهي دولة معتمدة على الواردات أدَّت أزمة العملة فيها إلى تقليص الواردات إلى النصف وشلِّ التصنيع. بعبارة أخرى، إنَّه اتفاق مقايضة مع بلد ليس لديه الكثير لمقايضته.
"وول ستريت جورنال”: إسرائيل تستهدف سفناً إيرانية
وكانت صحيفة wall street journal الأمريكية، قد كشفت الخميس 11 مارس/آذار 2021، عن أن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة متجهة إلى سوريا، تنقل في الغالب نفطاً إيرانياً، خشية استخدام أرباح النفط لتمويل أذرعها في الشرق الأوسط، فيما وصفه التقرير بـ”فتح جبهة جديدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وإقليميين إنه منذ أواخر عام 2019، استخدمت تل أبيب أسلحة تشمل ألغاماً بحرية لضرب السفن الإيرانية أو تلك التي تحمل شحنات إيرانية في البحرين الأبيض والأحمر أثناء توجهها إلى سوريا.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن هذه الهجمات. فيما كان مسؤولون إيرانيون قد أعلنوا عن هجمات استهدفت قطعهم البحرية، في وقت سابق، وقالوا إنهم يشتبهون بتورط إسرائيل.
وكشفت تقرير الصحيفة أنه بين عشرات الهجمات على السفن التي تحمل النفط الإيراني، ثلاث منها استهدفت عام 2019، وفقاً لخبير شحن، فيما قال خبير آخر إن السفن الإيرانية استهدفت ست مرات عام 2020، وأضاف أن طهران التزمت الصمت بشأن الهجمات؛ لأن الإعلان عنها سيبدو كأنه "علامة ضعف، إذا شكت وفشلت في الرد عسكرياً”.
اقترح تصحيحاً