أدى التأخير في نشر التقرير النهائي لتحقيق لجنة شيلكوت، حول دور بريطانيا في حرب العراق، إلى إثارة الشكوك حول أن الإدارات الحكومية تحاول منعه من ضم عدد من الوثائق السرية إلى استنتاجاته. ولو صح ذلك، فإنه لن يكون أمراً مفاجئا، فقد اعترض وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء البريطاني السير غوس أودونيل، بالفعل على إدراج المذكرات المتداولة بين رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، بحجة أن نشرها قد يحول دون إجراء محادثات صريحة بين قادة البلدين في المستقبل.
ويجد سير جون شيلكوت وفريقه هذه القيود مزعجة بلا شك، غير أنهم لا يستطيعون إخفاء الأسرار الهامة التي ساهمت جهودهم في كشف النقاب عنها. وقد قوبل التحقيق بقدر كبير من السخرية في بداية افتتاحه، إذ افترض كثيرون أنه لن يقدم إضافة إلى التحقيقات الأربعة السابقة في جوانب الصراع في العراق، بما في ذلك تحقيقات لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني واللجان الأمنية، وتحقيق «هوتون» في وفاة مستشار الأسلحة الدكتور ديفيد كيلي، وتحقيق بتلر الذي انتقد على الأقل أسلوب ال»أريكة» غير الرسمي في اتخاذ القرارات، الذي ميز حكومة بلير.
إلا أن السير جون شيلكوت أثبت أنه أقل ليونة، حيث رفض منذ البداية التوصيات التي دعته إلى جمع قدر كبير من الأدلة في غرفة القاضي الخاصة، وأصر على عقد جلسات استماع علنية. ومن ثم استدعى سلسلة متوالية من الشهود، بدءاً من أمناء مجلس الوزراء السابقين وانتهاء بالقادة العسكريين، الذين انتقدوا بشدة الطريقة التي عمد من خلالها بلير ومستشاروه المقربون إلى اتخاذ قرارات مصيرية، دون مشاورة كبار الوزراء أو المدعي العام لورد غولدسميث.
وتوصلت لجنة التحقيق إلى أدلة على أن الادعاء بأن جهاز المخابرات البريطاني «إم آي 6» قد أثبت «على نحو لا يحتمل الشك» امتلاك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لأسلحة دمار شامل «لم يكن ممكناً على أساس المعلومات الاستخباراتية». وأظهرت أن بلير أذعن في مرحلة مبكرة للغاية، لرغبة بوش في إسقاط صدام وتغيير النظام. وكشفت مذكرة من السكرتير الخاص لرئيس الوزراء السابق، أن بلير وافق سرا في أكتوبر 2002، على إشراك بريطانيا في الحرب، في الوقت الذي كان يشير علنا إلى أنه لن يستخدم القوة العسكرية إلا بإذن جديد من الأمم المتحدة.
وأظهر تحقيق شيلكوت كذلك أن مجلس الوزراء البريطاني استبعد عمليا من القرارات المتعلقة بالعمل العسكري، وأثبت أنه قد تم تضليل البرلمان بشأن قوة الاستخبارات وخطورة التهديد العراقي ومشروعية الغزو. وكشف عن أن سكرتير بلير الخاص كان يحذف بشكل روتيني أي إشارة إلى مراسلات مع بوش من المحاضر الحكومية. كما أظهر أن التخطيط لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب كان سيئاً. وأثار تساؤلات عما إذا كان بلير تصرف بصدق عندما أخبر سكرتيره الصحافي، بأن يلقي باللائمة على الفرنسيين فيما يخص إخفاقات الأمم المتحدة.
ولكن ما لم يثبته التحقيق بالدليل القاطع، هو ما إذا كان بلير أساء التقدير أو تصرف بسوء نية، وكذب على البرلمان وعلى البريطانيين. والأمل هو أن يتمكن شيلكوت من إصدار حكم بذلك الشأن. لذا فمن الضروري أن يكون التقرير النهائي كاملا وموثقاً على نحو جيد قدر الإمكان. وعلى الديمقراطيين الليبراليين، الذين عارضوا الحرب باستمرار، أن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل سير تحقيق تشيلكوت مع أقل قدر ممكن من العوائق، بما يتفق مع الأمن القومي، ليتمكن من إعطاء تقرير كامل عن حقيقة ما حدث، وعن الأخطاء التي ارتكبت والدروس التي يجب الاستفادة منها.

افتتاحية «إندبندنت» البريطانية